تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَيۡبِ لَا يَعۡلَمُهَآ إِلَّا هُوَۚ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةٖ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ} (59)

الآية 59 وقوله تعالى : { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو } هذا ، والله أعلم ، يحتمل أن يكون صلة قوله : { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب } [ الأنعام : 50 ] وصلة قوله : { ما عندي ما تستعجلون به } [ الأنعام : 57 ]

كانوا يطلبون منه صلى الله عليه وسلم ويسألونه أشياء من التوسيع في الرزق وغير ذلك مما كان يعدهم من الكرامة والمنزلة والسعة ، وكان يوعدهم بالعذاب ، ويخوفهم بالهلاك ، فيستعجلون ذلك ما وعد لهم ، فقال : { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو } ليس ذلك عندي ، لا يعلم ذلك إلا هو .

ومفاتح من المفتح ليس من المفتاح ، يكون جمعه مفاتيح . والفتح ؛ يقال في النصر والمعونة ، يقال : فتح الله عليه بلدة كذا ، أي نصره ، وجعله غالبا عليهم ، ويقال في ما يحدثه ، ويستفاد{[7161]} منه : فتح فلان على فلان باب كذا ، أي علمه علم ذلك .

وقوله تعالى : { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو } أي عنده [ ما ]{[7162]} يستفاد ذلك ، ومنه يكون . ومن نصر آخر فإنما ينصر به ، ومن علّم آخر فإنما يعلمه به ، ومن وسّع على{[7163]} آخر رزقا فإنما يوسعه بالله . كل هذا يشبه أن يخرج تأويل الآية .

وقوله تعالى : { ويعلم ما في البر والبحر } هذا يحتمل وجوها :

[ أحدها ]{[7164]} : يحتمل { ما في البر والبحر } أي { ويعلم ما في البر والبحر } من الدواب وما يسكن فيها من ذوي الروح : كثرتها وعددها وصغيرها ، لا يخفى عليه شيء .

والثاني : { ويعلم ما في البر والبحر } أي يعلم رزق كل ما في البر والبحر ، ويعلم حاجته ، ثم يسوق إلى كل من ذلك رزقه يخبر هذا ، والله أعلم ، ليعلموا أنه لما ضمن للخلق لكل منهم رزقه يسوقه إليه رزقه من غير تكلف ولا طلب كما يسوق أرزاق ما في البر والبحر من غير طلب ولا تكلف ، لا تضيق قلوبهم لذلك ، فما بالكم تضيق قلوبكم على ذلك ، وقد ضمن ذلك لكم كما ضمن لأولئك ؟

والثالث : { ويعلم ما في البر والبحر } من اختلاط الأقطار بعضها ببعض ومن دخول بعضها في بعض ؛ يخرج هذا على الوعيد أنه لما كان عالما بهذا كله يعلم بأعمالكم ومقاصدكم . فإن قيل : هذا الذي ذكر ، كله في الظاهر دعوى ، فما الدليل على أنه كذلك ؟ قيل : اتساق التدبير في كل شيء وآثاره فيه يدل على أنه كان بتدبير واحد لأن أثار التدبير في كل شيء واتساقه على سنن واحد ظاهرة بادية . فذلك يدل على ما ذكر .

وقوله تعالى : { ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } الآية . ويحتمل الكتاب ههنا التقدير والحكم . اختلف فيه : قيل : قوله { إلا في كتاب مبين } أي محفوظ كله عنده ؛ يقول الرجل لآخر : عملك كله عندي مكتوب ؛ يريد الحفظ ، أي محفوظ عندي ، وذلك جائز في الكلام ، وقيل : الكتاب ههنا هو اللوح المحفوظ أي كله مبين فيه : وقال الحسن ، رحمه الله : إن الله يخرج كتابا في كل ليلة القدر ، ويدفعه{[7165]} إلى الملائكة ، وفيه مكتوب كل ما يكون في تلك السنة ليحفظوه{[7166]}/150-أ/ على ما يكون ، أو كلام نحو هذا ، والله أعلم .


[7161]:- في الأصل وم: يستفيد.
[7162]:- ساقطة من الأصل وم.
[7163]:- من م، في الأصل: إلى.
[7164]:- ساقطة من الأصل وم.
[7165]:- في الأصل وم: ويدفع.
[7166]:- في الأصل وم: ليحفظوهم.