قوله تعالى : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ }[ الأنعام :59 ]
( مفَاتِحُ ) : جَمْعُ مَفْتَحٍ ، وهذه استعارة ، عبارةً عن التوصُّل إلى الغيوب ، كما يَتوصَّل في الشاهِدِ بالمِفْتَاحِ إلى الغَيب ، ولو كان جَمْعَ «مِفْتَاحٍ » ، لقال : مَفَاتِيح ، ويظهرُ أيضاً أنَّ «مَفَاتِح » جمْعُ «مَفْتَح » بفتح الميم ، أي : مواضِعِ تَفْتَحُ عن المغيَّبات ، ويؤيِّد هذا قَوْلُ السُّدِّيِّ وغيره : { مَفَاتِحُ الغيب } : خزائِنُ الغَيْب ، فأما مِفْتَح بالكسر ، فهو بمعنى مِفْتَاح ، قال الزَّهْرَاوِيُّ : وَمِفْتَحٌ أفصحُ ، وقال ابنُ عَبَّاسٍ ، وغيره : الإشارةُ بِمَفَاتِحِ الغَيْبِ هي إلى الخَمْسة في آخر لُقْمَان : { إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة . . . } [ لقمان : 34 ] الآية .
قلت : وفي «صحيحِ البخاريِّ » ، عن سالمِ بنِ عبد اللَّهِ ، عَنْ أبيه ، أنَّ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ : ( مَفَاتِحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إلاَّ اللَّهُ : { إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة ، وَيُنَزِّلُ الغيث وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرحام ، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً ، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [ لقمان : 34 ] ، انتهى .
وقوله سبحانه : { مِن وَرَقَةٍ } ، أي : من وَرَقِ النَّبَاتِ ، { وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظلمات الأرض } ، يريدُ : في أشدِّ حالِ التَّغَيُّبِ ، وحكى بعضُ النَّاسِ عن جَعْفَرِ بنِ محمَّد قولاً : أنَّ الورقَةَ يُرَادُ بها السِّقْطُ مِنْ أولادِ بني آدم ، والحَبَّة : يرادُ بها الذي لَيْسَ بِسِقْطٍ ، والرَّطْب يرادُ به الحَيُّ ، واليابسُ يراد به المَيِّت ، وهذا قولٌ جارٍ على طريقةِ الرُّمُوز ، ولا يصحُّ عن جعفر بن محمَّد ، ولا ينبغي أن يُلْتَفَتَ إلَيْه .
وقوله تعالى : { إِلاَّ فِي كتاب مُّبِينٍ } ، قيل : يعني كتاباً على الحقيقةِ ، ووجْهُ الفائدة فيه امتحان ما يكتبه الحَفَظَةُ ، وذلك أنَّه رُوِيَ أنَّ الحَفَظَةَ يرفَعُونَ مَا كَتَبُوهُ ، ويُعَارِضُونَهُ بهذا الكِتَابِ المُشَارِ إلَيْه ، ليتحقَّقوا صِحَّة ما كتبوه ، وقيل : المراد بقوله : { إِلاَّ فِي كتاب } عِلْمِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ المحيطِ بكلِّ شيءٍ .
قال الفَخْرُ : وهذا هو الأصْوَبُ ، ويجوزُ أنْ يقالَ : ذَكر تعالى ما ذَكَر مِنَ الوَرَقَةِ وَالحَبَّة ، تنبيهاً للمكلَّفين على أمر الحساب ، انتهى .
قال مَكِّيٌّ : قالَ عبْدُ اللَّه بْنُ الحارِثِ : ما في الأرْض شَجَرة ، ولا مَغْرَزُ إبرةٍ ، إلاَّ علَيْها مَلَكٌ ، موكَّل ، يأتي اللَّه بعلْمها ، بيَبَسِها إذا يَبِسَتْ ، ورُطُوبَتِها إذا رَطِبَتْ .
وقيل : المعنى في كَتْبِها ، أنه لتعظيمِ الأمرِ ، ومعناه : اعلموا أنَّ هذا الذي لَيْسَ فيه ثوابٌ ولا عقابٌ مكتوبٌ ، فكيف ما فِيهِ ثوابٌ أو عقابٌ ، انتهى من «الهداية » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.