معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (56)

قوله تعالى : { ثم بعثناكم } . أحييناكم ، والبعث : إثارة الشيء عن محله يقال : بعثت البعير وبعثت النائم فانبعث .

قوله تعالى : { من بعد موتكم } . قال قتادة : أحياهم ليستوفوا بقية آجالهم وأرزاقهم ولو ماتوا بآجالهم لم يبعثوا إلى يوم القيامة .

قوله تعالى : { لعلكم تشكرون } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (56)

وجملة { ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ } هي محل النعمة والمنة ، وهي معطوفة على قوله { فَأَخَذَتْكُمُ الصاعقة } ودل العطف بثم على أن بين أخذ الصاعقة والبعث زماناً نتصور فيه المهلة والتأخير .

والمراد ببعثهم : إحياؤهم من بعد موتهم ، وهو معجزة لموسى - عليه السلام - استجابة لدعائه .

/خ56

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (56)

ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( 56 )

أجاب الله تعالى فيهم رغبة موسى عليه السلام وأحياهم من ذلك الهمود( {[626]} ) أو الموت ، ليستوفوا آجالهم ، وتاب عليهم ، والبعث هنا الإثارة كما قال الله تعالى : { من بعثنا من مرقدنا }( {[627]} ) [ يس : 52 ] .

وقال قوم : إنهم لما أحيوا وأنعم عليهم بالتوبة سألوا موسى عليه السلام أن يجعلهم الله أنبياء ، فذلك قوله تعالى : { ثم بعثناكم من بعد موتكم } أي أنبياء( {[628]} ) { لعلكم تشكرون } أي على هذه النعمة ، والترجي إنما هو في حق البشر ، ونزلت الألواح بالتوراة على موسى في تلك المدة ، وهذا قول جماعة ، وقال آخرون : إن الألواح نزلت في ذهابه الأول وحده .

وذكر المفسرون في تظليل الغمام : أن بني إسرائيل لما كان من أمرهم ما كان من القتل وبقي منهم من بقي حصلوا في فحص التيه( {[629]} ) بين مصر والشام ، فأمروا بقتال الجبارين فعصوا وقالوا : { فاذهب أنت وربك فقاتلا }( {[630]} ) [ المائدة : 24 ] فدعا موسى عليهم فعوقبوا بالبقاء في ذلك الفحص أربعين سنة يتيهون في مقدار خمسة فراسخ أو ستة ، روي أنهم كانوا يمشون النهار كله وينزلون للمبيت فيصبحون حيث كانوا بكرة أمس ، فندم موسى عليه السلام على دعائه ، عليهم ، فقيل له : { فلا تأس على القوم الفاسقين }( {[631]} ) [ المائدة : 26 ] .

وروي أنهم ماتوا بأجمعهم في فحص التيه ، ونشأ بنوهم على خير طاعة ، فهم الذين خرجوا من فحص التيه وقاتلوا الجبارين ، وإذ كان جميعهم في التيه قالوا لموسى : من لنا بالطعام ؟ قال : الله ، فأنزل الله عليهم المن والسلوى ، قالوا : من لنا من حر الشمس ؟ فظلل عليهم الغمام ، قالوا : بم نستصبح بالليل ؟ فضرب لهم عمود نور في وسط محلتهم ، وذكر مكي : عمود نار . فقالوا : من لنا بالماء ؟ فأمر موسى بضرب الحجر ، قالوا : من لنا باللباس ؟ فأعطوا أن لا يبلى لهم ثوب ولا يخلق ولا يدرن ، وأن تنمو صغارها حسب نمو الصبيان .


[626]:- الصاعقة التي أخذتهم إما أنهم ماتوا بسببها، وإما أنهم أصيبوا بغشية من شدة وقعها، والذي يظهر من قوله تعالى: [ثم بعثناكم من بعد موتكم] هو الأول، وعليه فإن موسى عليه الصلاة والسلام لم يمت، وإنما غشي عليه بدليل قوله تعالى: [فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين]، ولا يقال: يبعد ذلك قوله تعالى: [وأنتم تنظرون] لأن المراد نظر الأسباب المؤثرة للموت.
[627]:- هذه الآية 52 من سورة يس.
[628]:- هذا بعيد أولا إذ لا دليل عليه- وغريب ثانيا إذ لا يعرف في زمان موسى نبي سوى هارون ويوشع بن نون.
[629]:- الفحص: كل موضع في الأرض يسكن، الجمع فحوص- والتيه بالفتح والكسر جمعه أتياه، والتيه بالكسر لا غير: الصلف والتكبر.
[630]:- من الآية 24 من سورة المائدة.
[631]:- من الآية 26 من سورة المائدة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (56)

وقوله : { ثم بعثناكم من بعد موتكم } إيجاز بديع ، أي فمتم من الصاعقة ثم بعثناكم من بعد موتكم ، وهذا خارق عادة جعله الله معجزة لموسى استجابة لدعائه وشفاعته أو كرامة لهم من بعد تأديبهم إن كان السائلون هم السبعين فإنهم من صالحي بني إسرائيل .

فإن قلت : إذا كان السائلون هم الصالحين فكيف عوقبوا ؟

قلت : قد علمت أن هذا عقاب دنيوي وهو ينال الصالحين ويسمى عند الصوفية بالعتاب وهو لا ينافي الكرامة ، ونظيره أن موسى سأل رؤية ربه فتجلى الله للجبل فجعله دكاً وخر موسى صعقاً فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك .

فإن قلت : إن الموت يقتضي انحلال التركيب المزاجي فكيف يكون البعث بعده في غير يوم إعادة الخلق ؟ .

قلت : الموت هو وقوف حركة القلب وتعطيل وظائف الدورة الدموية فإذا حصل عن فساد فيها لم تعقبه حياة إلا في يوم إعادة الخلق وهو المعني بقوله تعالى : { لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى } [ الدخان : 56 ] وإذا حصل عن حادث قاهر مانع وظائف القلب من عملها كان للجسد حكم الموت في تلك الحالة ، لكنه يقبل الرجوع إن عادت إليه أسباب الحياة بزوال الموانع العارضة ، وقد صار الأطباء اليوم يعتبرون بعض الأحوال التي تعطل عمل القلب اعتبار الموت ويعالجون القلب بأعمال جراحية تعيد إليه حركته . والموت بالصاعقة إذا كان عن اختناق أو قوة ضغط الصوت على القلب قد تعقبه الحياة بوصول هواء صاف جديد ، وقد يطول زمن هذا الموت في العادة ساعات قليلة ولكن هذا الحادث كان خارق عادة فيمكن أن يكون موتهم قد طال يوماً وليلة كما روي في بعض الأخبار ويمكن دون ذلك .