فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (56)

والمراد بقوله : { ثُمَّ بعثناكم } الإحياء لهم لوقوعه بعد الموت ، وأصل البعث الإثارة للشيء من محله ، يقال : بعثت الناقة ، أي : أثرتها ، ومنه قول امرىء القيس :

وإخوان صدقٍ قد بَعَثْت بِسحْرِة *** فَقَامُوا جَمِيعاً بين غَاثٍ ونشوان

وقول عنترة :

وصحابةٌ شُمُ الأُنوف بَعْثتَهم *** لَيلاً وَقد مَال الكرَى بطلاها

وإنما عوقبوا بأخذ الصاعقة لهم ؛ لأنهم طلبوا ما لم يأذن الله به من رؤيته في الدنيا . وقد ذهبت المعتزلة ومن تابعهم إلى إنكار الرؤية في الدنيا والآخرة ، وذهب من عداهم إلى جوازها في الدنيا ، والآخرة ، ووقوعها في الآخرة . وقد تواترت الأحاديث الصحيحة بأن العباد يرون ربهم في الآخرة ، وهي قطعية الدلالة ، لا ينبغي لمنصف أن يتمسك في مقابلها بتلك القواعد الكلامية التي جاء بها قدماء المعتزلة ، وزعموا أن العقل قد حكم بها ، دعوى مبنية على شفا جُرُف هار ، وقواعد لا يغترّ بها إلا من لم يحظ من العلم النافع بنصيب ، وسيأتيك إن شاء الله بيان ما تمسكوا به من الأدلة القرآنية ، وكلها خارج عن محل النزاع ، بعيد من موضع الحجة ، وليس هذا موضع المقال في هذه المسألة .

/خ57