فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (56)

{ ثم بعثناكم من بعد موتكم } المراد بذلك الإحياء لهم لوقوعه بعد الموت فبعثوا بعد الموت ليستوفوا آجالهم ، قال أنس ، ولو أنهم قد ماتوا لانقضاء آجالهم لم يبعثوا إلى يوم القيامة ، وأصل البعث الإثارة للشيء من محله وقد تكون عن إغماء ونوم ، ولهذا قيد البعث بالموت .

وقد ذهبت المعتزلة ومن تابعهم إلى إنكار الرؤية في الدنيا والآخرة ، وذهب من عداهم إلى جوازها في الدنيا والآخرة ، ووقوعها في الآخرة ، وقد تواترت الأحاديث الصحيحة بأن العباد يرون ربهم في الآخرة وهي قطعية الدلالة لا ينبغي لمنصف أن يتمسك في مقابلها بتلك القواعد الكلامية التي جاء بها قدماء المعتزلة ، وزعموا أن العقل قد حكم بها دعوى مبنية على شفا جرف هار ، وقواعد لا يغتر بها إلا من لم يحظ من العلم النافع بنصيب ، وسيأتيك بيان ما تمسكوا به من الأدلة القرآنية ، وكلها خارج عن محل النزاع ، بعيد من موضع الحجة ، وليس هذا موضع المقال في هذه المسألة ، وقد استوعب الحافظ ابن القيم الكلام عليها في كتابه حادي الأرواح بما يشفي العليل ويروي الغليل فليرجع إليه { لعلكم تشكرون } إنعامنا ذلك أي بالبعث بعد الموت ، قاله أبو السعود أو ما كفرتموه قاله البيضاوي{[95]} .


[95]:ورد في صحيح مسلم إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى. -{1/181} عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون؛ ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ؟ قال فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إليه عز وجل} وفي رواية: {ثم تلا هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} يونس /26. - وعن أبي بكر ابن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما. وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما. ومن بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن {مسلم/180}.