اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (56)

قوله : { ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ } [ أحييناكم من بعد موتكم ] .

قال قتادة : ماتوا وذهبت أرواحهم ، ثم ردوا لاستيفاء آجالهم .

قال النحاس : " وهذا احتجاج على من لم يؤمن بالبَعْثِ من قريش ، واحتجاج على أهل الكتاب إذ خبروا بهذا " .

قوله : { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ما فعل بكم من البعث بعد الموت .

وقيل : ماتوا موت هُمُودٍ يعتبر به الغير ، ثم أرسلوا .

وأصل البَعْث الإرسال .

وقيل : بل أصله إثارة الشيء من محلِّه ، يقال : بعثت الناقة : أثرتها ، أي حركتها ؛ قال امرؤ القيس : [ الطويل ]

505- وَفِتْيَانِ صِدْقٍ قَدْ بَعَثْتُ بِسُحْرَةٍ *** فَقَامُوا جَمِيعاً بَيْنَ عَاثٍ وَنَشْوَانِ

وقال غيره : [ الكامل ]

506- وَصَحَابَةٍ شُمِّ الأُنُوفِ بَعَثْتُهُمْ *** لَيْلاً وَقَدْ مَالَ الكَرَى بِطُلاَهَا

وقيل : { بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ } علَّمناكم من بعد جهلكم .

فصل في اختلافهم في تكليف من بعث بعد موته

قال المَاوَرْدِيّ : اختلف في بقاء تكليف من أعيد بعد موته ، ومُعَاينة الأحوال المضطرة إلى المعرفة على قولين :

أحدهما : بقاء تكليفهم لئلا يَخْلُو عاقل من تعبد .

الثاني : سقوط تكليفهم معتبراً بالاستدلال دون الاضطرار .

والأول أَصَحّ ، لقوله تعالى : { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ، ولفظ : الشكر يتناول جميع الطاعات ، لقوله تعالى : { اعْمَلُواْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً } [ سبأ : 13 ] .

فإن قيل : كيف يجوز أن يكلفهم وقد أماتهم ، ولو جاز ذلك جاز تكليف أهل الآخرة بعد البعث ؟

فالجواب : أنّ الذي منع من تكليف أهْل الآخرة ليس هو الإماتة ثم الإحْيَاء ، وإنما المانع كونه اضطرهم يوم القِيَامَةِ إلى معرفته ، وإلى معرفة لَذّات الجَنّة ، وآلام النَّار ، وبعد العلم الضروري لا تكليف ، وإذا كان كذلك ، فيكون مَوْتُ هؤلاء بمنزلة النَّوْمَ والإغماء .