البعث : الإحياء ، وأصله الإثارة ، قال الشاعر :
أنيخها ما بدا لي ثم أبعثها *** كأنها كاسر في الجو فتخاء
وفتيان صدق قد بعثت بسحرة *** فقاموا جميعاً بين عان ونشوان
وقيل : أصله الإرسال ، ومنه : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا } وتأتي بمعنى الإفاقة من الغشي أو النوم ، { وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم } والقدر المشترك بين هذه المعاني هو إزالة ما يمنع عن التصرف .
{ ثم بعثناكم من بعد موتكم } : معطوف على قوله : { أخذتكم الصاعقة } ، ودل العطف بثم على أن بين أخذ الصاعقة والبعث زماناً تتصوّر فيه المهلة والتأخير ، هو زمان ما نشأ عن الصاعقة من الموت ، أو الغشي على الخلاف الذي مرّ .
والبعث هنا : الإحياء ، ذكر أنهم لما ماتوا لم يزل موسى يناشد ربه في إحيائهم ويقول : يا رب إن بني إسرائيل يقولون قتلت خيارنا حتى أحياهم الله جميعاً رجلاً بعد رجل ، ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون .
وقيل : معنى البعث الإرسال ، أي أرسلناكم .
روي أنه لما أحياهم الله سألوا أن يبعثهم أنبياء فبعثهم أنبياء .
وقيل : معنى البعث : الإفاقة من الغشية ، ويتخرّج على قول من قال إنهم صعقوا ولم يموتوا .
وقيل : البعث هنا : القيام بسرعة من مصارعهم ، ومنه قالوا : { يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا } ؟ وقيل معنى البعث هنا ، التعليم ، أي ثم علمناكم من بعد جهلكم ، والموت هنا ظاهرة مفارقة الروح الجسد ، وهذا هو الحقيقة ، وكان إحياؤهم لأجل استيفاء أعمارهم .
ومن قال : كان ذلك غشياً وهموداً كان الموت مجازاً ، قال تعالى : { ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت } والذي أتاه مقدّماته سميت موتاً على سبيل المجاز ، قال الشاعر :
وقل لهم بادروا بالعذر والتمسوا *** قولاً يبرئكم إني أنا الموت
جعل نفسه الموت لما كان سبباً للموت ، وكذلك إذا حمل الموت على الجهل كان مجازاً ، وقد كنى عن العلم بالحياة ، وعن الجهل بالموت .
قال تعالى : { أو من كان ميتاً فأحييناه } وقال الشافعي ، رحمه الله :
إنما النفس كالزجاجة *** والعلم سراج وحكمة الله زيت
فإذا أبصرت فإنك حيّ *** وإذا أظلمت فإنك ميت
أخو العلم حي خالد بعد موته *** وأوصاله تحت التراب رميم
وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى *** يظنّ من الأحياء وهو عديم
ولا يدخل موسى على نبينا وعليه السلام في خطاب ثم { بعثناكم } ، لأنه خطاب مشافهة للذين قالوا : { لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } ، ولقوله : { فلما أفاق } ، ولا يستعمل هذا في الموت .
وأخطأ ابن قتيبة في زعمه أن موسى قد مات { لعلكم تشكرون } : وفي متعلق الشكر أقوال ينبني أكثرها على المراد بالبعث والموت .
فمن زعم أنهما حقيقة قال : المعنى لعلكم تشكرون نعمته بالإحياء بعد الموت ، أو على هذه النعمة وسائر نعمه التي أسداها إليهم ، ومن جعل ذلك مجازاً عن إرسالهم أنبياء ، أو إثارتهم من الغشي ، أو تعليمهم بعد الجهل ، جعل متعلق الشكر أحد هذه المجازات .
وقد أبعد من جعل متعلق الشكر إنزال التوراة التي فيها ذكر توبته عليهم وتفصيل شرائعه ، بعد أن لم يكن شرائع .
وقيل : المعنى لعلكم تشكرون نعمة الله بعدما كفرتموها إذا رأيتم بأس الله في رميكم بالصاعقة وإذاقتكم الموت .
وقال في المنتخب : إنما بعثهم بعد الموت في دار الدنيا ليكلفهم وليتمكنوا من الإيمان ومن تلافي ما صدر عنهم من الجرائم .
أمّا أنه كلفهم ، فلقوله : { لعلكم تشكرون } .
ولفظ الشكر يتناول جميع الطاعات لقوله : { اعملوا آل داود شكراً } انتهى كلامه .
وقال الماوردي : اختلف في بقاء تكليف من أعيد بعد موته ، ومعاينة الأهوال التي تضطره وتلجئه إلى الاعتراف بعد الاقتراف .
فقال قوم : سقط عنهم التكليف ليكون تكليفهم معتبراً بالاستدلال دون الاضطرار .
وقال قوم : يبقى تكليفهم لئلا يخلو بالغ عاقل من تعبد ، ولا يمنع حكم التكليف بدليل قوله تعالى : { وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة } وذلك حين أبوا أو يقبلوا التوراة ، فلما نتق الجبل فوقهم آمنوا وقبلوها ، فكان إيمانهم بها إيمان اضطرار ، ولم يسقط عنهم التكليف ، ومثلهم قوم يونس في إيمانهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.