معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱسۡتَبَقَا ٱلۡبَابَ وَقَدَّتۡ قَمِيصَهُۥ مِن دُبُرٖ وَأَلۡفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا ٱلۡبَابِۚ قَالَتۡ مَا جَزَآءُ مَنۡ أَرَادَ بِأَهۡلِكَ سُوٓءًا إِلَّآ أَن يُسۡجَنَ أَوۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (25)

قوله تعالى : { واستبقا الباب } ، وذلك أن يوسف لما رأى البرهان قام مبادرا إلى باب البيت هاربا ، وتبعته المرأة لتمسك الباب حتى لا يخرج يوسف ، وأدركته المرأة ، قتعلقت بقميصه من خلفه ، فجذبته إليها حتى لا يخرج . { وقدت قميصه } أي : فشقته { من دبر } ، أي : من خلف ، فلما خرجا لقيا العزيز ، وهو قوله : { وألفيا سيدها لدى الباب } ، أي : وجدا زوج المرأة قطفير عند الباب جالسا مع ابن عم لراعيل ، فلما رأته هابته و{ قالت } سابقة القول لزوجها { ما جزاء من أراد بأهلك سوءا } ، يعني : الزنا ، ثم خافت عليه أن يقتله فقالت : { إلا أن يسجن } ، أي : يسجن ، { أو عذاب أليم } ، أي : ضرب بالسياط ، فلما سمع يوسف مقالتها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱسۡتَبَقَا ٱلۡبَابَ وَقَدَّتۡ قَمِيصَهُۥ مِن دُبُرٖ وَأَلۡفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا ٱلۡبَابِۚ قَالَتۡ مَا جَزَآءُ مَنۡ أَرَادَ بِأَهۡلِكَ سُوٓءًا إِلَّآ أَن يُسۡجَنَ أَوۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (25)

وقوله - سبحانه - { واستبقا الباب . . . } متصل بقوله - سبحانه - قبل ذلك { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ . . . } وقوله { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السواء والفحشآء . . . } اعتراض جئ به بين المتعاطفين تقريرا لنزاهته .

وقوله { واستبقا . . } من الاستباق وهو افتعال من السبق بمعنى أن كل واحد منهما يحالو أن يكون هو السابق إلى الباب .

ووجه تسابقهما : أن يوسف - عليه السلام - أسرع بالفرار من أمامها إلى الباب هروبا من الفاحشة التي طلبتها منه . وهى أسرعت خلفه لتمنعه من الوصول إلى الباب ومن الخروج منه .

وأفرد - سبحانه - الباب هنا ، وجمعه فيما تقدم ، لأن المراد به هنا الباب الخارجى ، الذي يخلص منه يوسف إلى خارج الدار ، وهو منصوب هنا على نزع الخافض أى : واستبقا إلى الباب .

وجملة { وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ } حالية ، والقد : القطع والشق ، وأكثر استعماله في الشق والقطع الذي يكون طولا ، وهو المراد هن ، لأن الغالب أنها جذبته من الخلف وهو يجرى أمامها فانخرق القميص إلى أسفله .

وقوله : { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الباب } أى : وصادفا ووجدا زوجها عند الباب الذي تسابقا للوصول إليه .

قالوا : والتعبير عن الزوج بالسيد ، كان عادة من عادات القوم في ذلك الوقت ، فعبر عنه القرآن بذلك حكاية لدقائق ما كان متبعا في التاريخ القديم .

وقال - سبحانه - { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا } لأن ملك العزيز ليوسف - عليه السلام - لم يكن ملكا صحيحا ، فيوسف ليس رقيقا يباع ويشترى ، وإنما هو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ، وبيع السيارة له ، إنما كان على سبيل التخلص منه بعد أن التقطوه من الجب .

وقوله - سبحانه - { قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سواءا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } حكاية لما قالته لزوجها عندما فوجئت به عند الباب وهى تسرع وراء يوسف .

أى قالت تلك المرأة لزوجها عندما فوجئت به لدى الباب : ليس من جزاء لمن أراد بأهلك - تعنى نفسها - سوءا ، أى ما يسوءك ويؤلمك ، إلا أن يسجن ، عقوبة له ، أو أن يعذب عذابا أليما عن طريق الضرب أو الجلد ، لتجاوزه الحدود ، واعتدائه على أهلك .

وهذه الجملة الكريمة التي حكاها القرآن الكريم عنها ، تدل على أن تلك المرأة كانت في نهاية المكر والدهاء والتحكم في إرادة زوجها . . .

ورحم الله الآلوسى فقد علق على قولها ها الذي حكاه القرآن عنها بقوله ما ملخصه : " ولقد آتت - تلك المرأة - في هذه الحالة التي يدهش فيها الفطن اللوذعى - حيث شاهدها زوجها على تلك الحالة المريبة - بحيلة جمعت فيها غرضيها ، وهما تبرئة ساحتها مما يلوح من ظاهر حالها ، واستنزال يوسف عن رأيه في استعصائه عليها ، وعدم طاعته لها ، بإلقاء الرعب في قلبه . . .

ولم تصرح بالاسم ، بل أتت بلفظ عام { مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سواءا . . . } تهويلا للأمر ، ومبالغة في التخويف ، كأن ذلك قانون مطرد في حق كل من أراد بأهله سوءاً .

وذكرت نفسها بعنوان أهلية العزيز ، إعظاما للخطب . . .

ثم إن حبها الشديد ليوسف - عليه السلام - حملها على أن تبدأ بذكرالسجن ، وتؤخر ذكر العذاب لأن المحب لا يسعى في إيلام المحبوب ، لا سيما أن قولها : " إلا أن يسجن .

. . قد يكون المراد منه السجن لمدة يوم أو يومين . . . " .

والحق أن هذه الجملة التي حكاها القرآن عنها ، تدل على اكتمال قدرتها على المكر والدهاء - كما سبق أن أشرنا - ومن مظاهر ذلك ، محاولتها إيهام زوجها بأن يوسف قد اعتدى عليها بما يسؤوها ويسوؤه ، ولكن بدون تصريح بهذا العدوان - شأن العاشق مع معشوقه - حتى لا يسعى زوجها في التخلص منه ببيعه - مثلا - .

وفى الوقت نفسه إفهام يوسف عن طريق مباشر ، بأن أمره بيدها لا بيد زوجها ، وأنها هي الآمرة الناهية ، فعليه أن يخضع لما تريده منه ، وإلا فالسجن أو العذاب الأليم هو مصيره المحتوم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱسۡتَبَقَا ٱلۡبَابَ وَقَدَّتۡ قَمِيصَهُۥ مِن دُبُرٖ وَأَلۡفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا ٱلۡبَابِۚ قَالَتۡ مَا جَزَآءُ مَنۡ أَرَادَ بِأَهۡلِكَ سُوٓءًا إِلَّآ أَن يُسۡجَنَ أَوۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (25)

وقوله تعالى : { واستبقا الباب } الآية ، { واستبقا } معناه سابق كل واحد منهما صاحبه إلى الباب ، هي لترده إلى نفسها وهو ليهرب عنها ؛ فقبضت في أعلى قميصه من خلفه ، فتخرق القميص عند طوقه ، ونزل التخريق إلى أسفل القميص . و «القد » : القطع ، وأكثر ما يستعمل فيما كان طولاً ، «والقط » يستعمل فيما كان عرضاً ، وكذلك هي اللفظة في قول النابغة :

تقد السلوقي{[6643]}*** فإن قوله :«وتوقد بالصفاح » يقتضي أن القطع بالطول . و { ألفيا } : وجدا ، و «السيد » الزوج ، قاله زيد بن ثابت ومجاهد . فيروى أنهما وجدا العزيز ورجلاً من قرابة زليخا عند الباب الذي استبقا إليه قاله السدي . فلما رأت الفضيحة فزعت إلى مطالبة يوسف والبغي عليه ، فأرت العزيز أن يوسف أرادها ، وقالت : { ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أو عذاب أليم } وتكلمت في الجزاء ، أي أن الذنب ثابت متقرر . وهذه الآية تقتضي بعظم موقع السجن من النفوس لا سيما بذوي الأقدار ، إذ قرن بأليم العذاب .


[6643]:هذا جزء من بيت قاله من قصيدة يمدح بها عمرو بن الحارث، والبيت بتمامه: تقد السلوقي المضاعف نسجه وتوقد بالصفاح نار الحباحب والضمير في (تقد) يعود على السيوف المذكورة في الأبيات السابقة، والسلوقي صفة لموصوف محذوف تقديره: تقد الدرع السلوقي، وهو منسوب إلى (سلوق) بفتح السين، وهي بلدة على نهر دجلة بالعراق سميت باسم بانيها وهو سلوقس الرومي، وكانت تصنع في سلوق هذه دروع جيدة متقنة. و المضاعف نسجه ، أي الذي كررت حلقاته حلقة فوق حلقة، وذلك يجعله أمتن فلا تقطعه السيوف، وسمى صنع الحديد نسجا على طريقة المجاز. والصفاح: صفايح البيض فوق الرأس وصفايح الذراعين، والصفاح بضم الصاد وشدها هي والفاء المفتوحة. والحباحب - بضم الحاء الأولى وكسر الثانية – شرارة تطير عند قدح الحديد بالحديد أو بالحجارة.