المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَٱسۡتَبَقَا ٱلۡبَابَ وَقَدَّتۡ قَمِيصَهُۥ مِن دُبُرٖ وَأَلۡفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا ٱلۡبَابِۚ قَالَتۡ مَا جَزَآءُ مَنۡ أَرَادَ بِأَهۡلِكَ سُوٓءًا إِلَّآ أَن يُسۡجَنَ أَوۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (25)

وقوله تعالى : { واستبقا الباب } الآية ، { واستبقا } معناه سابق كل واحد منهما صاحبه إلى الباب ، هي لترده إلى نفسها وهو ليهرب عنها ؛ فقبضت في أعلى قميصه من خلفه ، فتخرق القميص عند طوقه ، ونزل التخريق إلى أسفل القميص . و «القد » : القطع ، وأكثر ما يستعمل فيما كان طولاً ، «والقط » يستعمل فيما كان عرضاً ، وكذلك هي اللفظة في قول النابغة :

تقد السلوقي{[6643]}*** فإن قوله :«وتوقد بالصفاح » يقتضي أن القطع بالطول . و { ألفيا } : وجدا ، و «السيد » الزوج ، قاله زيد بن ثابت ومجاهد . فيروى أنهما وجدا العزيز ورجلاً من قرابة زليخا عند الباب الذي استبقا إليه قاله السدي . فلما رأت الفضيحة فزعت إلى مطالبة يوسف والبغي عليه ، فأرت العزيز أن يوسف أرادها ، وقالت : { ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أو عذاب أليم } وتكلمت في الجزاء ، أي أن الذنب ثابت متقرر . وهذه الآية تقتضي بعظم موقع السجن من النفوس لا سيما بذوي الأقدار ، إذ قرن بأليم العذاب .


[6643]:هذا جزء من بيت قاله من قصيدة يمدح بها عمرو بن الحارث، والبيت بتمامه: تقد السلوقي المضاعف نسجه وتوقد بالصفاح نار الحباحب والضمير في (تقد) يعود على السيوف المذكورة في الأبيات السابقة، والسلوقي صفة لموصوف محذوف تقديره: تقد الدرع السلوقي، وهو منسوب إلى (سلوق) بفتح السين، وهي بلدة على نهر دجلة بالعراق سميت باسم بانيها وهو سلوقس الرومي، وكانت تصنع في سلوق هذه دروع جيدة متقنة. و المضاعف نسجه ، أي الذي كررت حلقاته حلقة فوق حلقة، وذلك يجعله أمتن فلا تقطعه السيوف، وسمى صنع الحديد نسجا على طريقة المجاز. والصفاح: صفايح البيض فوق الرأس وصفايح الذراعين، والصفاح بضم الصاد وشدها هي والفاء المفتوحة. والحباحب - بضم الحاء الأولى وكسر الثانية – شرارة تطير عند قدح الحديد بالحديد أو بالحجارة.