البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱسۡتَبَقَا ٱلۡبَابَ وَقَدَّتۡ قَمِيصَهُۥ مِن دُبُرٖ وَأَلۡفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا ٱلۡبَابِۚ قَالَتۡ مَا جَزَآءُ مَنۡ أَرَادَ بِأَهۡلِكَ سُوٓءًا إِلَّآ أَن يُسۡجَنَ أَوۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (25)

قد الثوب : شقه .

السيد فيعل من ساد يسود ، يطلق على المالك ، وعلى رئيس القوم .

وفيعل بناء مختص بالمعتل ، وشذ بيئس وصيقل اسم امرأة .

السجن : الحبس .

{ واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أو عذاب أليم .

قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قدّ من قبل فصدقت وهو من الكاذبين .

وإن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت وهو من الصادقين .

فلما رأى قميصه قدّ من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم .

يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين } : أي واستبق يوسف وامرأة العزيز إلى الباب هذا للخروج والهروب منها ، وهذه لمنعه ومراودته .

وأصل استبق أن يتعدى بإلى ، فحذف اتساعاً .

وتقدم أنّ الأبواب سبعة ، فكان تنفتح له الأبواب باباً باباً من غير مفتاح ، على ما نقل عن كعب أن فراش القفل كان يتناثر ويسقط ، حتى خرج من الأبواب .

ويحتمل أن تكون الأبواب المغلقة ليست على الترتيب باباً فباباً ، بل تكون في جهات مختلفة كلها منافذ للمكان الذي كانا فيه ، فاستبقا إلى باب يخرج منه .

ولا يكون السابع على الترتيب ، بل أحدها .

وقدت يحتمل أن يكون معطوفاً على واستبقا ، ويحتمل أن يكون حالاً أي : وقد قدّت جذبته من خلفه بأعلى القميص من طوقه ، فانخرق إلى أسفله .

والقدّ : القطع والشق ، وأكثر استعماله فيما كان طولاً قال :

تقدّ السلوقي المضاعف نسجه *** وتوقد بالصفاح نار الحباحب

والقط : يستعمل فيما كان عرضاً ، وقال المفضل بن حرب : رأيت في مصحف قط من دبر أي شق .

قال يعقوب : الشق في الجلد في الصحيح ، والثوب الصحيح .

وقال ابن عطية : وقرأت فرقة قط .

وألفيا سيدها أي : وجد أو صادفا زوجها وهو قطفير .

والمرأة تقول لبعلها : سيدي ، ولم يضف إليهما ، لأن قطفير ليس سيد يوسف على الحقيقة .

ويقال : ألفاه ووارطه وصادفه ووالطه ولاظه ، كله بمعنى واحد .

قيل : ألفياه مقبلاً يريد أن يدخل ، وقيل : مع ابن عم المرأة .

وفي الكلام حذف تقديره : فرابه أمرهما وقال : ما لكما ؟ فلما سأل وقد خافت لومه ، أو سبق يوسف بالقول ، بادرت أن جاءت بحيلة جمعت فيها بين تبرئة ساحتها من الريبة ، وغضبها على يوسف وتخويفه طمعاً في مواقعتها خيفة من مكرها ، كرهاً لما آيست أن يواقعها طوعاً ألا ترى إلى قولها : ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن ؟ ولم تصرح باسم يوسف ، بل أتت بلفظ عام وهو قولها : ما جزاء من أراد ، وهو أبلغ في التخويف .

وما الظاهر أنها نافية ، ويجوز أن تكون استفهامية أي : أيّ شيء جزاؤه إلا السجن ؟ وبدأت بالسجن إبقاء على محبوبها ، ثم ترقت إلى العذاب الأليم ، قيل : وهو الضرب بالسوط .

وقولها : ما جزاء أي : إن الذنب ثابت متقرر في حقه ، وأتت بلفظ بسوء أي : بما يسوء ، وليس نصاً في معصية كبرى ، إذ يحتمل خطابه لها بما يسوؤها ، أو ضربه إياها .

وقوله : إلا أن يسجن أو عذاب ، يدل على عظم موقع السجن من ذوي الأقدار حيث قرنته بالعذاب الأليم .

وقرأ زيد بن علي : أو عذاباً أليماً ، وقدره الكسائي أو يعذب عذاباً أليماً .