معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ مَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٖ فَهُوَ لَكُمۡۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٞ} (47)

قوله عز وجل : { قل ما سألتكم } على تبليغ الرسالة ، { من أجر } جعل { فهو لكم } يقول : قل لا أسالكم على تبليغ الرسالة أجراً فتتهموني ، ومعنى قوله : فهو لكم أي : لم أسألكم شيئاً كقول القائل : ما لي من هذا فقد وهبته لك يريد ليس لي فيه شيء ، { إن أجري } ما ثوابي . { إلا على الله وهو على كل شيء شهيد* }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ مَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٖ فَهُوَ لَكُمۡۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٞ} (47)

ثم أمره - سبحانه - للمرة الثانية أن يصارحهم بأنه لا يريد منهم أجرا على دعوته إياهم إلى ما يسعدهم فقال : { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } .

أى : وقل لهم - أيها الرسول الكريم . بعد أن دعوتهم إلى التفكير الهادئ ، المتأنى فى أمرك : إنى ما طلبت منكم أجرا على دعوتى إياكم إلى الحق والخير ، وإذا فرض وطلبت فهو مردود عليكم . لأنى لا ألتمس أجرى إلا من الله - تعالى - وحده ، وهو - سبحانه - على كل شئ شهيد ورقيب ، ولا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء .

قال الآلوسى قوله : قل ما سألتكم من أجرن أى : مهما سألتكم من نفع على تبليغ الرسالة { فَهُوَ لَكُمْ } والمراد نفى السؤال رأسا ، كقولك لصاحبكم إن أعطيتنى شيئا فخذه ، وأنت علم أنه لم يعطك شيئا : فما شرطية ، مفعول { سَأَلْتُكُم } وقوله { فَهُوَ لَكُمْ } الجواب - وقيل هى موصولة ، والعائد محذوف ، ومن للبيان ودخلت الفاء فى الخبر لتضمنها معنى الشرط . أى : الذى سألتكموه من الأجر فهو لكم ، وثمرته تعود إليكم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ مَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٖ فَهُوَ لَكُمۡۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٞ} (47)

{ قل ما سألتكم من أجر } أي شيء سألتكم من أجر على الرسالة . { فهو لكم } والمراد نفي السؤال عنه ، كأن جعل التنبي مستلزما لأحد الأمرين إما الجنون وإما توقع نفع دنيوي عليه ، لأنه أما أن يكون لغرض أو لغيره وأيا ما كان يلزم أحدهما ثم نفى كلا منهما . وقيل { ما } موصولة مراد بها ما سألهم بقوله { ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا } وقوله : { لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى } واتخاذ السبيل ينفعهم وقرباه قرباهم . { إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد } مطلع يعلم صدقي وخلوص نيتي ، وقرأ ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي بإسكان الياء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ مَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٖ فَهُوَ لَكُمۡۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٞ} (47)

أمره الله تعالى في هذه الآية بالتبري من طلب الدنيا وطلب الأجر على الرسالة وتسليم كل دنيا إلى أربابها والتوكل على الله في الأجر وجزاء الجد والإقرار بأنه شهيد على كل شيء من أفعال البشر وأقوالهم وغير ذلك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ مَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٖ فَهُوَ لَكُمۡۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٞ} (47)

هذا استقصاء لبقايا شبه التكذيب لدحضها سواء منها ما تعلقوا به من نحو قولهم : كاهن وشاعر ومجنون وما لم يدعوه ولكنه قد يخطر ببال واحد منهم أن يزعموا أنه يريد بهذه الدعوة نفعاً لنفسه يكون أجراً له على التعليم والإِرشاد .

وهم لما ادّعوا أنه ساحر أو أنه شاعر أو أنه كاهن لزم من دعواهم أنه يتعرض لجائزة الشاعر ، وحُلوان الكاهن ؛ فلما نفيت عنه تلك الخلال لم يبق لهم في الكنانة سهم طعن ، إلا أن يزعموا أنه يطلب أجراً على الإِرشاد فقيل لهم : { ما سألتكم من أجر فهو لكم } إن كان بكم ظنّ انتفاعي منكم بما دعوتكم إليه ، فما كان لي من أجر عليه فخذوه . وهذه طريقة بديعة في الكناية التهكمية عن عدم انتفاعه بما يدعوهم إليه بأن يفرض كالواقع ثم يرتب عليه الانكفاف عنه ورد ما فات منه ليفضي بذلك إلى البراءة منه ومن التعرض له ، فهي كناية رمزية وأنهم يعلمون أنه لم يسألهم أجراً { قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن هو إلا ذكر للعالمين } [ ص : 86 ، 87 ] أو إن كنت سألتكم أجراً فلا تعطونيه ، وإن كنتم أعطيتم شيئاً فاستردّوه ، فكُنِّي بهذا الشرط المحقّق انتفاؤه عند انتفاء أن يكون طالباً أجراً منهم على حدّ قوله تعالى : { إن كنت قلته فقد علمته } [ المائدة : 116 ] . وهذا ما صرح به عقبه من قوله { إن أجري إلا على الله } ، فجيء بالشرط بصيغة الماضي ليدلّ على انتفاء ذلك في الماضي فيكون انتفاؤه في المستقبل أجدر ؛ على أن وقوعه في سياق الشرط يقضي بانتفائه في المستقبل أيضاً . وهذا جار مجرَى التحدِّي لأنه لو كان لجماعتهم أو آحادهم علم بأنه طلب أجراً منهم لجَارُوا حين هذا التحدّي بمكافحته وطالبوه بردّه عليهم .

وينتقل من هذا إلى تعين أن ما دعاهم إليه لا ينتفع به غيرهم بالنجاة من العذاب ، وقد تكرر في القرآن التبرؤ من أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يريد منهم أجراً أو يتطلب نفعاً لأن انتفاء ذلك ما يلاقيه من العناء في الدعوة دليل أنه مأمور بذلك من الله لا يريد جزاء منهم .

و { مَا } يجوز أن تكون شرطية ، و { من أجر } بياناً لإِبهام { ما } وجملة { فهو لكم } جواب الشرط . ويجوز أن تكون { ما } نافية . وتكون { من } لتوكيد عموم النكرة في النفي ، وتكون الفاء في قوله : { فهو لكم } تفريعاً على نفي الأجر ، وضمير « هو » عائداً على القرآن المفهوم من المقام ومن تقدم قوله : { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } [ سبأ : 43 ] أي فهذا القرآن لفائدتكم لا لفائدتي لأن قوله : { ما سألتكم من أجر } يفيد أن لا فائدة له في هذه الدعوة .

ويكون معنى الآية نظيرَ معنى قوله تعالى : { قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن هو إلا ذكر للعالمين } [ ص : 86 ، 87 ] .

والأجْر تقدم عنه قوله تعالى : { ليجزيك أجر ما سقيت لنا } في سورة القصص ( 25 ) .

وجملة { إن أجري إلا على الله } مستأنفة استئنافاً بيانياً جواباً لسؤال مقدر أن يسأل السامع : كيف لا يكون له على ما قام به أجر ، فأجيب بأن أجره مضمون وَعَده الله به لأنه إنما يقوم بعمل لمرضاته وامتثال أمره فعليه أجره .

وحرف { على } يقتضي أنه حق الله وذلك بالنظر إلى وَعده الصادق ، ثم ذيّل ذلك باستشهاد الله تعالى على باطنه ونيته التي هي من جملة الكائنات التي الله شهيد عليها ، وعليم بخفاياها فهو من باب : { قل كَفى بالله شهيداً بيني وبينكم } [ الرعد : 43 ] أي وهو شاهد على ذلك كله .

والأجر : عوض نافع على عمل سواء كان مالاً أو غيره .

وقرأ نافع وأبو عَمرو وابن عامر وحفص ياء { أجريَ } مفتوحة . وقرأها ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي ساكنة ، وهما وجهان من وجوه ياء المتكلم في الإِضافة .