معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۖ وَغَرَّهُمۡ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (24)

قوله تعالى : { ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم } . والغرور هو الإطماع فيما لا يحصل منه شيء .

قوله تعالى : { ما كانوا يفترون } . والافتراء اختلاق الكذب .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۖ وَغَرَّهُمۡ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (24)

ثم بين - سبحانه - الأسباب التي صرفتهم عن الحق فقال : { ذلك بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } .

واسم الإشارة { ذلك } يعود إلى المذكور من توليهم وإعراضهم عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وعن سماعهم للحق الذى جاء به .

والمس : اتصال أحد الشيئين بالآخر على وجه الإحساس والإصابة ، والمراد من النار : نار الآخرة .

والمراد من المعدودات : المحصورات القليلات يقال شيء معدود : أى قليل وشيء غير معدود أى كثير .

فهم يزعمون أن النار لن تمسهم إلا مدة يسيرة قد تكون سبعة أيام ، وقد تكون أربعين يوما ، وبعدها يخرجون إلى الجنة .

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : إن اليهود كانوا يقولون إن هذه الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوما في النار ، وإنما هي سبعة آيام . وفي رواية عنه أنه قال في قوله - تعالى - { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } ذلك أعداء الله اليهود ، قالوا : لن يدخلنا الله النار إلى تحلة القسم ، الأيام التي أصبنا فيها العجل أربعين يوما ، فإذا انقضت عنا تلك الأيام انقطع عنا العذاب والقسم .

أى ذلك التولى والإعراض عن الحق الذى صدر عن كثير من أحبار اليهود وعوامهم سببه أنهم سهلوا على أنفسهم أمر العقاب ، وتوهموا أنهم لن يعذبواعذابا طويلا ، بل النار ستمسهم أياما قليلة ثم بعد ذلك يخرجون منها ، لأنهم أبناء الله واحباؤه ، ولأن آباءهم سيشفعون لهم في زعمهم .

ثم قال - تعالى - { وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } .

وقوله { وَغَرَّهُمْ } من الغرور وهو كل ما يغر الإنسان ويخدعه من مال أو جاه أو شهوة أو غير ذلك من الأشياء التي تغر الإنسان وتخدعه وتجعله غافلا عن اتباع الحق .

والمعنى : أنهم سهلوا على أنفسهم الخطوب ، ولم يبالوا بالمعاصي والذنوب ، وأنهم طمعوا في غير مطمع ، وأصاب موضع المغرة والغفلة منهم في دينهم كا كانوا يفترونه من أن النار لن تمسهم إلا أياما معدودات . والغرور أكبر شىء يبعد الإنسان عن حسن الاستعداد لما يجب عليه نحو دينه ودنياه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۖ وَغَرَّهُمۡ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (24)

ثم قال : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ } أي : إنما حملهم وجَرّأهم على مخالفة الحق افتراؤهم على الله فيما ادعوه لأنفسهم أنهم إنما يعذبون في النار سبعة أيام ، عن كل ألف سنة في الدنيا يوما . وقد تقدم تفسير ذلك في سورة البقرة . ثم قال : { وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } [ أي غرهم في دينهم ]{[4923]} أي : ثَبَّتهم على دينهم الباطل ما خدعوا به أنفسهم من زعمهم أن النار لا تمسهم بذنوبهم إلا أياما معدودات ، وهم الذين افتروا هذا من تلقاء أنفسهم وافتعلوه ، ولم ينزل الله به سلطانا .


[4923]:زيادة من و.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۖ وَغَرَّهُمۡ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (24)

قوله : { ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار } الإشارة إلى تولّيهم وإعراضهم ، والباء للسببية : أي إنّهم فعلوا ما فعلوا بسبب زعمهم أنّهم في أمان من العذاب إلاّ أياماً قليلة ، فانعدَم اكتراثهم باتّباع الحق ؛ لأنّ اعتقادهم النجاة من عذاب الله على كل حالٍ جَرّأهم على ارتكاب مثل هذا الإعراض . وهذا الاعتقاد مع بطلانه مؤذن أيضاً بسفالة همّتهم الدينية ، فكانوا لا ينافسون في تزكية الأنفس . وعبر عن الاعتقاد بالقول دلالة على أنّ هذا الاعتقاد لا دليل عليه وأنّه قول مفتري مدلّس ، وهذه العقيدة عقيدة اليهود ، كما تقدم في البقرة .

وقوله : { وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون } أي ما تقوّلوه على الدِّين وأدخلوه فيه ، فلذلك أتي بفي الدالة على الظرفية المجازية . ومن جملة ما كانوا يفترونه قولهم : { لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة } [ البقرة : 80 ] ، وكانوا أيضاً يزعمون أنّ الله وعد يعقوب ألاّ يعذّب أبناءه .

وقد أخبر الله تعالى عن مفاسد هذا الغرور والافتراء بإيقاعها في الضلال الدائم ، لأنّ المخالفة إذا لم تكن عن غرور فالإقلاع عنها مرجوٌ ، أما المغرور فلا يترقّب منه إقلاع . وقد ابتلي المسلمون بغرور كثير في تفاريع دينهم وافتراءات من الموضوعات عادت على مقاصد الدين وقواعد الشريعة بالإبطال ، وتفصيل ذلك في غير هذا المجال .