معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ} (18)

قوله تعالى : { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } يعني : الآيات العظام . وقيل : أراد ما رأى تلك الليلة في مسيره وعوده ، دليله قوله : { لنريه من آياتنا }( الإسراء-1 ) وقيل : معناه لقد رأى من آيات ربه الآية الكبرى .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا عبد الله بن معاذ العنبري ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة عن سليمان الشيباني سمع زر بن حبيش عن عبد الله قال : لقد رأى من آيات ربه الكبرى قال : رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح .

وأخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا حفص بن عمر ، وحدثنا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة ، عن عبد الله :{ لقد رأى من آيات ربه الكبرى } قال : رأى رفرفاً أخضر سد أفق السماء .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ} (18)

ثم عظم - سبحانه - من شأن ما أراه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال : { لَقَدْ رأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكبرى } .

والكلام جواب لقسم محذوف ، والآيات جمع آية ، والمراد بها العجائب التى أطلع الله - تعالى - عليها نبيه - صلى الله عليه وسلم - فى تلك الليلة ، وهى ليلة الإسراء والمعراج .

والكبرى : صفة لهذه الآيات ، وحذف المرئى : لتفخيم أمره وتعظيمه .

أى : والله لقد رأى محمد - صلى الله عليه وسلم - فى تلك الليلة أمورا عظاما لا يحيط بها الوصف ، وقد أكرمناه برؤيتها ليزداد يقينا على يقينه ، وثباتا على ثباته ، وقوة على قوته فى تبليغ رسالتنا ، وحمل أمانتنا .

هذا ، وقد جرينا فى تفسيرنا لهذه الآيات على الرأى الذى سار عليه المحققون من العلماء وهو أن هذه الآيات تحكى رؤية النبى - صلى الله عليه وسلم - لجبريل مرتين ، كما سبق أن بينا ، وأن الضمائر فى تلك الآيات منها ما يرجع إلى جبريل ، ومنها ما يرجع إلى الله - عز وجل - .

وقد أعدنا كل ضمير إلى مرجعه الذى نراه مناسبا للمقام .

فمثلا : الضمير المنصوب فى قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى } قلنا : إنه يعود إلى جبريل . أى : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - رأى جبريل على هيئته التى خلقه الله عليها مرة أخرى ، غير المرة الأولى التى كانت فى أوائل بعثته - صلى الله عليه وسلم - .

ولكن بعض المفسرين يرون أن مرجع الضمير فى هذه الآية وغيرها ، يعود إلى الله - تعالى - ، ويستدلون بذلك على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه .

وقد فصل القول فى هذه المسألة الإمام الآلوسى فقال ما ملخصه : فالضمائر فى " دنا " " وتدلى " " وأوحى . . " وكذلك المضير المنصوب فى " رآه " لله - عز وجل - .

واستدل بذلك مثبتو رؤية النبى - صلى الله عليه وسلم - لله - عز وجل - كابن عباس وغيره .

وخالفت فى ذلك عائشة - رضى الله عنها - فقد أخرج مسلم عن مسروق قال : " كنت عند عائشة فقالت : ثلاث من تكلم بواحدة منهن ، فقد أعظم على الله - تعالى - الفرية .

قلت : ما هن ؟ قالت : من زعم أن محمدا يعلم الغيب فقد كذب . ومن زعم أن محمدا كتم شيئا فقد كذب ، ومن زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ، فقلت : يا أم المؤمنين : ألم يقل الله - تعالى - : { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى } ؟ . فقالت : أنا أول من سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال : " لا ، إنما هو جبريل ، لم أره على صورته التى خلق عليها سوى هاتين المرتين . رأيته منهبطا من السماء سادا ما بين السماء إلى الأرض " " .

ثم قال الآلوسى : ولا يخفى أن جواب الرسول - صلى الله عليه وسلم - على عائشة ، ظاهر فى أن الضمير المنصوب فى { رَآهُ } ليس راجعا إليه - تعالى - ، بل إلى جبريل - عليه السلام - .

والمتأمل فى هذه الآيات الكريمة يراها ترد على المشركين مزاعمهم ، بأبلغ أسلوب ، وأقوى بيان ، وتثبت أن هذا القرآن ، قد بلغه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن جبريل - عليه السلام - دون أن يزيد فيه شيئا ، أو ينقص منه شيئا ، وأنه - سبحانه - قد أعطى نبيه - صلى الله عليه وسلم - من المعجزات ، ومن الخيرات والبركات . . . . ما لم يعط غيره .

وبعد هذا التصوير البديع لما كان عليه النبى - صلى الله عليه وسلم - من حق واضح ، ومن تكريم عظيم ومن طاعة تامة لخالقه - عز وجل -

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ} (18)

وقوله : { لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } ، كقوله : { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا } [ طه : 23 ] {[27639]} أي : الدالة على قدرتنا وعظمتنا . وبهاتين الآيتين استدل من ذهب من أهل السنة أن الرؤية تلك الليلة لم تقع ؛ لأنه قال : { لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } ، ولو كان رأى ربه لأخبر بذلك ولقال ذلك للناس ، وقد تقدم تقرير ذلك في سورة " سبحان " وقد قال الإمام أحمد :

حدثنا أبو النضر ، حدثنا محمد بن طلحة ، عن الوليد بن قيس ، عن إسحاق بن أبي الكَهْتَلة{[27640]} قال محمد : أظنه عن ابن مسعود - أنه قال : إن محمدا لم ير جبريل في صورته إلا مرتين ، أما مرة فإنه سأله أن يُريه نفسه في صورته ، فأراه صورته فسد الأفق . وأما الأخرى فإنه صَعد معه حين صعد به . وقوله : { وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى . ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى . فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى . فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى } قال : فلما أحسَّ{[27641]} جبريل ربه ، عز وجل ، عاد في صورته وسجد . فقوله : { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى . عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى . عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى . إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى . مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى . لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } قال : خَلْقَ جبريل عليه السلام .

هكذا رواه الإمام أحمد ، وهو غريب{[27642]} .


[27639]:- (7) في م: "لنريه".
[27640]:- (8) في م، أ: "الكهبلة".
[27641]:- (1) في أ: "أخبر".
[27642]:- (2) المسند (1/407).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ} (18)

{ لقد رأى من آيات ربه الكبرى } أي والله لقد رأى من آياته وعجائبه الملكية والملكوتية ليلة المعراج وقد قيل إنها المعنية بما { رأى } . ويجوز أن تكون { الكبرى } صفة لل { آيات } على أن المفعول محذوف أي شيئا من آيات ربه أو { من } مزيدة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ} (18)

وجملة { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } تذييل ، أي رأى آيات غير سدرة المنتهى ، وجنة المأوى ، وما غَشى السدرة من البهجة والجلال ، رأى من آيات الله الكبرى .

والآيات : دلائل عظمة الله تعالى التي تزيد الرسول ارتفاعاً .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ} (18)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{لقد رأى} محمد صلى الله عليه وسلم {من آيات ربه الكبرى}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"لَقَدْ رأَى مِنْ آياتِ رَبّهِ الكُبْرَى "يقول تعالى ذكره: لقد رأى محمد هنالك من أعلام ربه وأدلته الأعلام والأدلة الكبرى... واختلف أهل التأويل في تلك الآيات الكبرى؛

فقال بعضهم: رأى رَفْرفا أخضر قد سدّ الأفق...

وقال آخرون: رأى جبريل في صورته...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{لَقَدْ رأى} والله لقد رأى {مِنْ ءايات رَبِّهِ} الآيات التي هي كبراها وعظماها، يعني: حين رقى به إلى السماء فأري عجائب الملكوت...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

قوله تعالى: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} قال جماعة من أهل التأويل معناه: رأى الكبرى من آيات ربه، والمعنى {من آيات ربه} التي يمكن أن يراها البشر، ف {الكبرى} على هذا مفعول ب {رأى}.

وقال آخرون المعنى: {لقد رأى} بعضاً {من آيات ربه الكبرى}، ف {الكبرى} على هذا وصف للآيات...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{لقد رأى من آيات ربه الكبرى}: فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم، رأى ليلة المعراج آيات الله، ولم ير الله، وفيه خلاف ووجهه: هو أن الله تعالى ختم قصة المعراج هاهنا برؤية الآيات...

أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :

{لقد رأى من آيات ربه الكبرى} أي والله لقد رأى من آياته وعجائبه الملكية والملكوتية ليلة المعراج وقد قيل إنها المعنية بما {رأى}.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}، كقوله: {لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا} [طه: 23] أي: الدالة على قدرتنا وعظمتنا. وبهاتين الآيتين استدل من ذهب من أهل السنة أن الرؤية تلك الليلة لم تقع؛ لأنه قال: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}، ولو كان رأى ربه لأخبر بذلك ولقال ذلك للناس، وقد تقدم تقرير ذلك في سورة "سبحان"...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{لقد رأى} أي أبصر بسبب ما أهلناه له من الرسالة إبصاراً سارياً إلى البواطن غير مقتصر على الظواهر {من آيات ربه} أي المحسن إليه بما لم يصل إليه أحد قبله ولا يصل إليه أحد بعده، ومن ادعى ذلك فهو كافر {الكبرى} من ذلك ما رآه في السماوات من الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام إشارة بكل شيء إلى أمر دقيق جليل وحالة شريفة.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وقد عاين فيها من آيات ربه الكبرى، واتصل قلبه بالحقيقة عارية مباشرة مكشوفة.

فالأمر إذن -أمر الوحي- أمر عيان مشهود. ورؤية محققة. ويقين جازم. واتصال مباشر. ومعرفة مؤكدة. وصحبة محسوسة. ورحلة واقعية. بكل تفصيلاتها ومراجعها.. وعلى هذا اليقين تقوم دعوة (صاحبكم) الذي تنكرون عليه وتكذبونه وتشككون في صدق الوحي إليه. وهو صاحبكم الذي عرفتموه وخبرتموه. وما هو بغريب عنكم فتجهلوه وربه يصدقه ويقسم على صدقه. ويقص عليكم كيف أوحى إليه. وفي أي الظروف. وعلى يد من وكيف لاقاه. وأين رآه!