اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ} (18)

قوله : { لَقَدْ رأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكبرى } في «الكبرى » وجهان :

أظهرهما : أنها مفعول ( رأى ) و( من آياتِ ربه ) حال مقدرة ، والتقدير لقد رأى الآيات الكبرى من آيات ربه .

والثاني : أن { مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ } هو مفعول الرؤية و«الكُبْرَى » صفة «لآيات ربه »{[53501]} . وهذا الجمع يجوز وصفه بوصف المؤنثة الواحدة ، وحسَّنَهُ هنا كونها فاصلة{[53502]} . وقد تقدم مثله في «طه » عند قوله { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الكبرى } [ طه : 23 ] .

قال ابن الخطيب : في «الكُبْرَى » وجهان :

أحدهما : أنها صفة لمحذوف تقديره لقد رأى من آيات ربه الآيَة الكُبْرَى .

ثانيهما : صفة لآيات ربه فيكون مفعول رأى محذوفاً تقديره رأى من آيات ربّه الكبرى آيةً أو شيئاً{[53503]} .

فصل

قال بعض المفسرين : آيات ربه الكبرى هي أنه رأى جبريل - عليه الصلاة والسلام - في صورته . قال ابن الخطيب : والظاهر أن هذه الآيات غير تِيكَ{[53504]} ، لأن جبريلَ - عَلَيْهِ الصَّلاة والسلامُ - وإن كان عظيماً ، لكن ورد في الأخبار أن لله{[53505]} ملائكةً أعظمَ منه . و«الكُبْرَى » تأنيث الأكبر فكأنه تعالى قال : رأى من آيات ربِّه آياتٍ هي أكبر الآيَاتِ{[53506]} .

فصل

قال المفسرون : رأى رَفْرَفاً أخْضَرَ سَدَّ أُفُقَ السماء . قال البيهقيُّ{[53507]} : الرفرف جبريلُ - عليه الصلاة والسلام - في صورته على رفرف ، والرَّفْرَفُ البسَاط . وقيل : ثوبٌ كان يَلْبَسُهُ . وقال القرطبي : وروى ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى : { دَنَا فتدلى } أنه على التقديم والتأخير ، أي تدلى الرفرف لمحمد - عليه الصلاة والسلام - ليلة المعراج فجلس عليه ثم رفع فدنا من ربه قال : فَارَقَنِي جبريلُ وانْقَطَعت عَنّي الأَصْوَاتُ وسَمِعْتُ كَلاَمَ رَبِّي . فعلى هذا الرفرف ما يجلس{[53508]} عليه كالبسَاط ونَحْوِهِ .

فصل

قال ابن الخطيب ( هذه الآية ) {[53509]} تدل على أن محمداً - عليه الصلاة والسلام - لم ير الله ليلة المعراج وإنما رأى آيات الله . وفيه خلاف . ووجه الدلالة أنه ختم قصة المعراج ههنا برؤية الآيات وقال : { سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً } إلى أن قال : { لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا } [ الإسراء : 1 ] ولو كان رأى ربه لكان ذلك أعظمَ ما يمكن فكان أكبر شيء هو الرؤية ، فكان الأمر للرؤية{[53510]} .


[53501]:أخذه الإمام أبو حيان نقلا عن الإمام الفخر في تفسيره كما سيجيء الآن، وانظر البحر 8/160.
[53502]:أي كون الصفة "كبرى" فاصلة وآخر آية وتبتدئ بعدها آية أخرى.
[53503]:التفسير الكبير 28/295.
[53504]:كذا في النسختين وفي تفسيره: تلك.
[53505]:في (ب) الله ملكه.
[53506]:وانظر الرازي 28/295 السابق.
[53507]:سبق التعريف به.
[53508]:في القرطبي: ما يقعد ويجلس عليه. وانظر القرطبي 17/98.
[53509]:ما بين القوسين تكملة من (ب).
[53510]:والمعنى من تفسير الرازي 28/295.