تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ} (18)

1

المفردات :

آيات ربه الكبرى : عجائبه الملكية والملكوتية في ليلة المعراج .

التفسير :

18-{ لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } .

رأى من آيات الله تعالى الكبرى ما يجلّ عنه الحصر والاستقصاء ، كان الإسراء رحلة أرضية من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، حيث أراه الله آيات بينات .

وقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بيت المقدس إماما بالأنبياء ، وأخذت له البيعة ، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى :

{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ } . ( آل عمران : 81 )

كما أثبت البخاري أن النبي صلى الله عله وسلم صعد به إلى السماوات العلى ، واستقبله من كل سماء مقرَّبوها : في السماء الأولى : آدم .

وفي السماء الثانية : يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة .

وفي السماء الثالثة ، يوسف وقد أعطى شطر الحسن .

وفي السماء الرابعة : إدريس ، وقد رفعه الله مكانا عليا .

وفي السماء الخامسة : هارون .

وفي السماء السادسة : موسى .

وفي السماء السابعة : إبراهيم أبو الأنبياء ، على كرسي من نور ، مسندا ظهره إلى البيت المعمور ، فقال : يا محمد ، بلغ أمتك مني السلام ، وأخبرهم أن الجنة قيعان ، وأنها طيبة التربة ، وغراسها : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

وكان كل رسول يقول للنبي صلى الله عليه وسلم مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ، وعند السماء السابعة تخلّف جبريل وقال : وما منّا إلا له مقام معلوم .

ثم رأى النبي صلى الله عليه وسلم من آيات ربه الكبرى ، رأى سدرة المنتهى ، ورأى الجنة عند سدرة المنتهى ، ورأى جبريل على صورته الحقيقية ، ورأى ما رأى مما لا يحيط به الوصف أو الحصر ، حيث أراد الله تكريمه ، فأراه الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين ، كلهم يؤمنون به ويصدقونه ، وكان الإسراء والمعراج في أعقاب رحلة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، حيث قابله أهلها مقابلة سيئة ، وآذوه ورموه بالحجارة ، واشتكى النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربّه تكذيب أهل مكة ، ثم تكذيب أهل الطائف ، ورفع يديه إلى السماء قائلا : " اللهم أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس يا رب العالمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى من تكلني ؟ إلى عدو يتهجمني ، أو بعيد ملكته أمري ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن ينزل بي سخطك ، أو يحلّ على غضبك ، لك العتبى حتى ترضى ، عافيتك هي أوسع لي ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " . vii

وفي أعقاب رحلة الطائف عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة ، ولم يستطع دخولها إلا في جوار المطعم بن عديّ ، وبينما هو نائم في الحجر أو في بيت أم هانئ تمّ الإسراء والمعراج ، عجيبتان ربانيتان .

قال تعالى : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } . ( الإسراء : 1 )

أي أن الله تعالى أسرى برسوله صلى الله عليه وسلم ليلا من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالشام ، وحوله الثمار والأشجار ، والحرم ومقابر المرسلين ، وآثار الأنبياء ، ليطلع النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الآيات ، تكريما له ومؤازرة له ، بعد وفاة عمه أبي طالب ، ووفاة زوجه خديجة بنت خويلد ، وتكالب الكافرين على حربه وإيذائه ، ثم تمّ له المعراج إلى السماوات العلى ، حيث رأى من آيات ربه الكبرى .

ويرى جمهور العلماء :

أن الإسراء كان بالروح والجسد معا ، يقظة لا مناما .

والراجح أيضا أن المعراج كان بالروح والجسد معا ، لأن الرؤيا المنامية تكون لكثير من الناس ، أما الإسراء فقد ذكره الله مشيرا إلى قدرته تعالى وتنزيهه عن مشابهة الحوادث ، حيث جعل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ساريا بالليل مخترقا الحجب ، كم ذكر القرآن المعراج في صدر سورة النجم ، والراجح أن المعراج كان بالروح والجسد معا .

ويرى بعض المفسرين أن الإسراء كان بالروح والجسد ، وأن المعراج كان بالروح فقط .

وقد رجح الإمام الطبري شيخ المفسرين ، وغيره من المفسرين أن الإسراء والمعراج كانا بالروح والجسد ، يقظة لا مناما .

فلو كان بالروح ما كذبته قريش ، ولا تعجَّبوا من أمره ، ولما ارتدّ بعض ضعاف الإيمان .

ولأن قوله تعالى : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً . . . } يفيد أن العبد مجموع الجسد والروح .

وكذلك قوله تعالى في المعراج : { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } .

يفيد أنه رأى رؤية حقيقية عالم الملكوت ، عالم السماء والأنبياء والمرسلين والملائكة ، والتكريم الإلهي ، وسدرة المنتهى ، وجنة المأوى ، وآيات ربه الكبرى .

قال شوقي :

يا أيها المُسرى به شرفا إلى *** ما لا تنالُ الشَّمس والجوزاءُ

يتساءلون ونتأ

أنت أطهر هيكل *** بالروح أم بالهيكل الإسراء

بهما سموت مطهرين كلاهما *** نور وروحانية وبهاء

فضل عليك لذي الجلال ومنة *** والله يفعل ما يرى ويشاء

تغشى الغيوب من العوالم كلما *** طويت سماء قلدتك سماء

يا من له الأخلاقُ ما تهوى العلا *** منها وما يتعشق الكبراء

والحسن من كرم الوجوه وخيره *** ما أوتي القوّاد والزعماء

وإذا سخوت بلغت بالجود المدى *** وفعلت ما لا تفعل الأنواء

وإذا عفوت فقادرا ومقدرا *** لا يستهين بعفوك الجهلاء

وإذا رحمت فأنت أم أو أب *** هذان في الدنيا هما الرحماء

وإذا خطبت فللمنابر هزة *** تعرو النّدى وللقلوب بكاء

وإذا أخذت العهد أو أعطيته *** فجميع عهدك ذمة ووفاء

وإذا مشيت إلى العدا فغضنفر *** وإذا جريت فإنك النكباء

يا أيها الأُميّ حسبك رتبة *** في العلم أن دانت لك العلماء

يا من له عز الشفاعة وحده *** وهو المنزه ما له شفعاء

عرش القيامة أنت تحت لوائه *** والحوض أنت حياله السقاء

تروي وتسقي الصالحين ثوابهم *** والصالحات ذخائر وجزاء

آراء في الموضوع

رأى بعض المفسرين : أن الآيات التي وردت في صدر سورة النجم ، تشير إلى رؤية محمد صلى الله عليه وسلم لله سبحانه وتعالى .

وقال بعضهم : الضمائر في ( دنا ) و( تدلَّى ) و( كان ) و( أوحى ) وكذا في ( رآه ) لله عز وجل .

ويشهد لهذا ما أخرجه البخاري ، عن أنس قال : ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله ، حتى جاء سدرة المنتهى ، ودنا الجبَّار رب العزة ، فتدلّى ، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى إليه فيما أوحى خمسين صلاة . viii

والراجح أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل على صورته الحقيقية مرتين ، الأولى عند البعثة ، والثانية ليلة الإسراء والمعراج . ***

بدليل ما أخرجه مسلم ، عن أبي ذر أنّه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هل رأيت ربك ؟ فقال : " رأيت نورا " ix . وانظر تفسير الآلوسي والطبري لصدر سورة النجم .