مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ} (18)

قوله تعالى : { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ، رأى ليلة المعراج آيات الله ، ولم ير الله ، وفيه خلاف ووجهه : هو أن الله تعالى ختم قصة المعراج هاهنا برؤية الآيات ، وقال : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا } إلى أن قال : { لنريه من ءاياتنا } ولو كان رأى ربه لكان ذلك أعظم ما يمكن ، فكانت الآية الرؤية ، وكان أكبر شيء هو الرؤية ، ألا ترى أن من له مال يقال له : سافر لتربح ، ولا يقال : سافر لتتفرج ، لما أن الربح أعظم من التفرج .

المسألة الثانية : قال بعض المفسرين { لقد رأى من ءايات ربه الكبرى } وهي أنه رأى جبريل عليه السلام في صورته ، فهل هو على ما قاله ؟ نقول الظاهر أن هذه الآيات غير تلك ، وذلك لأن جبريل عليه السلام وإن كان عظيما ، لكن ورد في الأخبار أن لله ملائكة أعظم منه ، والكبرى تأنيث الأكبر ، فكأنه تعالى يقول : رأى من آيات ربه آيات هن أكبر الآيات ، فإن قيل قال الله تعالى : { إنها لإحدى الكبر } مع أن أكبر من سقر عجائب الله ، فكذلك الآيات الكبرى تكون جبريل وما فيه ، وإن كان لله آيات أكبر منه نقول سقر إحدى الكبر أي إحدى الدواهي الكبر ، ولا شك أن في الدواهي سقر عظيمة كبيرة ، وأما آيات الله فليس جبريل أكبرها ولأن سقر في نفسها أعظم وأعجب من جبريل عليه السلام فلا يلزم من صفتها بالكبر صفتها بالكبرى .

المسألة الثالثة : ( الكبرى ) صفة ماذا ؟ نقول فيه وجهان : ( أحدهما ) صفة محذوف تقديره : لقد رأى من آيات ربه الآية الكبرى ، ( ثانيهما ) صفة آيات ربه وعلى هذا يكون مفعول رأى محذوفا تقديره رأى من الآيات الكبرى آية أو شيئا .