معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (170)

قوله تعالى : { يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم } ، تقديره : فآمنوا يكن الإيمان خيراً لكم .

قوله تعالى : { وإن تكفروا فإن لله ما في السموات والأرض وكان الله عليماً حكيماً } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (170)

ثم وجه - سبحانه - نداء إلى الناس جميعا يأمرهم فيه بالإِيمان وينهاهم عن الكفر فقال : { ياأيها الناس قَدْ جَآءَكُمُ الرسول بالحق مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ } .

أى : يأيها المكلفون من الناس جميعا ، قد جاءكم الرسول المشهود له بالصدق فى رسالته ، بالهدى ودين الحق من ربكم ، فآمنوا به وصدقوا وأطيعوه ، يكن إيمانكم خيرا لكم فى الدنيا والآخرة .

فالخطاب فى الآية الكريمة للناس أجمعين ، سواء أكان عربيا أم غير عربى أبيض أم أسود ، بعيدا أم قريبا .

. . لأنه رسالته صلى الله عليه وسلم عامة وشاملة للناس جميعا .

والمراد بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم فأل فيه للعهد : وإيراده بعنوان الرسالة لتأكيد وجوب طاعته .

وقوله : { بالحق } متعلق بمحذوف على أنه حال من الرسول . أى : جاءكم الرسول ملتبسا بالحق الذى لا يحوم حوله باطل .

وقوله : { مِن رَّبِّكُمْ } متعلق بمحذف على أنه حال أيضا من الحق . أو متعلق بجاء . أى : جاءكم من عند الله - تعالى - وليس متقولا .

ويرى بعضهم أن قوله { خَيْراً } خبر لكان المحذوفة مع اسمها ، أى : فآمنوا به يكن إيمانكم خيرا لكم .

ويرى آخرون أنه صفة لمصدر محذوف . أى : فآمنوا إيمانا خيرا لكم . وهى صفة مؤكدة على حد أمس الدابر لا يعود ، لأن الإِيمان لا يكون إلا خيراً .

فأنت ترى أن هذه الجملة الكريمة قد حضت الناس على الإِيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لم يجئهم بشئ باطل وإنما جاءهم بالحق الثابت الموافق لفطرة البشر أجمعين ، ولأنه لم يجئهم بما جاءهم به من عند نفسه وإنما جاءهم بما جاءهم به من عند الله - تعالى - ولأنه لم يجئهم بما يفضى بهم إلى الشرور والآثام ، وإنما جاءهم بما يوصلهم إلى السعادة فى الدنيا وإلى الفوز برضا الله فى الآخرة .

تلك هى عاقبة المؤمنين ، أما عاقبة الكافرين فقد حذر - سبحانه - منها بقوله : { وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً } .

أى : وإن تكفروا - أيها الناس - فلن يضر الله كفركم ، فإنه - سبحانه - له ما فى السماوات والأرض خلقا وملكا وتصرفا ، وكان الله - تعالى - عليما علما تاما بأحوال خلقه ، حكيما فى جميع أفعاله وتدبيراته .

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد توعدت الكافرين بسوء المصير ، وحضت الناس على الدخول فى زمرة المؤمنين ، وحذرتهم من الكفر حتى ينجوا يوم القيامة من عذاب السعير .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (170)

ثم قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ } أي : قد جاءكم محمد - صلوات الله وسلامه عليه - بالهدى ودين الحق ، والبيان الشافي من الله ، عز وجل ، فآمنوا بما جاءكم به واتبعوه{[8760]} يكن خيرًا لكم .

ثم قال : { وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } أي : فهو غني عنكم وعن إيمانكم ، ولا يتضرر بكفرانكم ، كما قال تعالى : { وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } [ إبراهيم : 8 ] وقال هاهنا : { وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } أي : بمن يستحق منكم الهداية فيهديه ، وبمن يستحق الغَوَاية فيغويه { حَكِيمًا } أي : في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره .


[8760]:في د: "فاتبعوه".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (170)

{ يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم } لما قرر أمر النبوة وبين الطريق الموصل إلى العلم بها ووعيد من أنكرها ، خاطب الناس عامة بالدعوة وإلزام الحجة والوعد بالإجابة والوعيد على الرد . { فآمنوا خيرا لكم } أي إيمانا خيرا لكم أو ائتوا أمرا خيرا لكم مما أنتم عليه . وقيل تقديره يكن الإيمان خيرا لكم ومنعه البصريون لأن كان لا يحذف مع اسمه إلا فيما لا بد منه ولأنه يؤدي إلى الشرط وجوابه . { وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض } يعني وإن تكفروا فهو غني عنكم لا يتضرر بكفركم كما لا ينتفع بإيمانكم ، ونبه على غناه بقوله : { لله ما في السماوات والأرض } وهو يعم ما اشتملتا عليه وما ركبتا منه . { وكان الله عليما } بأحوالهم . { حكيما } فيما دبر لهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (170)

المخاطبة بقوله { يا أيها الناس } مخاطبة لجميع الناس ، والسورة مدنية ، فهذا مما خوطب به جميع الناس بعد الهجرة ، لأن الآية دعاء إلى الشرع ، ولو كانت في أمر من أوامر الأحكام ونحوها لكانت «يا أيها الذين آمنوا » و { الرسول } في هذه الآية محمد صلى الله عليه وسلم ، و { الحق } في شرعه ، وقوله تعالى : { خيراً لكم } منصوب بفعل مضمر تقديره ، إيتوا خيراً لكم ، أو حوزوا خيراً لكم ، وقوله { آمنوا } وقوله{ انتهوا } بعد ذالك ، أمر بترك الشيء والدخول في غيره ، فلذلك حسنت صفة التفضيل التي هي ( خير ) هذا مذهب سيبويه في نصب خير ، ونظيره من الشعر قول عمر بن أبي ربيعة :

فواعديه سَرْحَتَيْ مالك *** أو الربى بينهما أسهلا{[4386]}

أي يأت أسهل ، وقال أبو عبيدة التقدير يكن الإيمان خيراً والانتهاء خيراً ، فنصبه على خبر كان ، وقال الفراء : التقدير فآمنوا إيماناً خيراً لكم ، فنصبه على النعت لمصدر محذوف ثم قال تعالى { وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض } وهذا خبر بالاستغناء ، وأن ضرر الكفر إنما هو نازل بهم ، ولله تعالى العلم والحكمة .

ثم خاطب تعالى أهل الكتاب من النصارى بأن يدعوا «الغلو » ، وهو تجاوز الحد ، ومنه غلاء السعر ، ومنه غلوة السهم ، وقوله تعالى : { في دينكم } إنما معناه ، في الدين الذي أنتم مطلوبون به ، فكأنه اسم جنس ، وأضافه إليهم بياناً أنهم مأخذون به ، وليست الإشارة إلى دينهم المضلل ، ولا أمروا بالثبوت عليه دون غلو ، وإنما أمروا بترك الغلو في دين الله على الإطلاق ، وأن يوحدوا ولا «يقولوا على الله إلا الحق » ، وإذا سلكوا ما أمروا به ، فذلك سائقهم إلى الإسلام ، ثم بين تعالى أمر المسيح وأنه { رسول الله وكلمته } أي مكون عن كلمته التي هي «كن » وقوله { ألقاها } عبارة عن إيجاد هذا الحادث في مريم ، وقال الطبري { وكلمته ألقاها } يريد جملة مخلوقاته ، ف «من » لابتداء الغاية إذا حقق النظر فيها ، وقال البشارة التي بعث الملك بها إليها ، وقوله تعالى : { وروح منه } أي من الله وقال الطبري { وروح منه } أي نفخة منه ، إذ هي من جبريل بأمره ، وأنشد قول ذي الرمة :

فقلت له اضممها إليك وأحيها *** بروحك واقتته لها قيتة قدرا{[4387]}

يصف سقط النار ، وقال أبيّ بن كعب : روح عيسى من أرواح الله التي خلقها واستنطقها بقوله { ألست بربكم قالوا بلى }{[4388]} فبعثه الله إلى مريم فدخل فيها ، ثم أمرهم بالإيمان بالله ورسله ، أي الذين من جملتهم عيسى ومحمد عليهما السلام ، وقوله تعالى : { ولا تقولوا ثلاثة } المعنى : الله ثالث ثلاثة ، فحذف الابتداء والمضاف ، كذا قدر أبو علي ، ويحتمل أن يكون المقدر : المعبود ثلاثة ، أو الإله ثلاثة ، أو الآلهة ثلاثة ، أو الأقانيم ثلاثة{[4389]} ، وكيف ما تشعب اختلاف عبارات النصارى فإنه يختلف بحسب ذلك التقدير ، وقد تقدم القول في معنى { انتهوا خيراً لكم } .


[4386]:- سرحتا مالك: موضع بعينه، وأصل السرحة: الشجرة، وقد اشتهر هذا المكان بشجرتين نسبتا لصاحبهما، والربى: جمع ربوة، وهي المرتفع من الأرض، تقول محبوبته لجاريتها: واعديه الليلة أن نلتقي عند السرحتين أو الربى، والأفضل أن يأتي مكانا سهلا حتى لا يعرف شأنهما، وإن كان بعض الشراح يرى أنه هو الذي أرسل إليها امرأة، و(أسهلا) منصوب بفعل مضمر دلّ عليه ما قبله، أي: ائت أسهل الأمرين عليك.
[4387]:- بروحك: بنفخك، واقتته لها قيتة: يأمره بالرفق والنفخ الخفيف في النار، وأن يطعم النار حطبا قليلا- والرواية في الديوان: "فقلت له ارفعها..." بدلا من "اضممها".
[4388]:- من الآية (182) من سورة (الأعراف).
[4389]:- قال القرطبي: "والنصارى مع فرقهم مجمعون على التثليث، ويقولون: إن الله جوهر واحد، وله ثلاث أقانيم، فيجعلون كل أقنوم إلها، ويعنون بالأقانيم: الوجود، والحياة، والعلم، وربما يعبرون عن الأقانيم بالأب، والابن، وروح القدس، فيعنون بالأب: الوجود، وبالروح: الحياة، وبالابن: المسيح".