الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (170)

وقوله تعالى : { بِالْحَقِّ } : فيه وجهان ، أحدُهما : أنه متعلق بمحذوفٍ ، والباء للحال أي : جاءكم الرسولُ ملتبساً بالحق أو متكلماً به . والثاني : أنه متعلقٌ بنفس " جاءكم " أي : جاءكم بسببِ إقامةِ الحق . و " من ربكم " فيه وجهان ، أحدُهما : أنه متعلقٌ بمحذوف على أنه حال أيضاً من " الحق " والثاني : أنه متلعقٌ ب " جاء " أي : جاء من عند الله أي : أنه مبعوثٌ لا متقوِّل .

قوله : { خَيْراً لَّكُمْ } في نصبه أربعة أوجه ، أحدها - وهو مذهب الخليل وسيبويه - أنه منصوبٌ بفعلٍ محذوفٍ واجبِ الإِضمار تقديره : وأتوا خيراً لكم ، لأنه لَمَّا أمرهم بالإِيمان / فهو يريدُ إخراجَهم من أمر وإدخالَهم فيما هو خيرٌ منه ، ولم يذكر الزمخشري غيره قال : " وذلك أنه لمَّا بعثهَم على الإِيمان وعلى الانتهاءِ من التثليث علم أنه يَحْمِلُهم على أمر فقال : خيراً لكم ، أي : اقصِدوا وأتوا أمراً خيراً لكم مما أنتم فيه من الكفر والتثلث " . الثاني : - وهو مذهب الفراء- أنه نعت لمصدر محذوف أي : فآمنوا إيماناً خيراً لكم . وفيه نظر ، من حيث أنه يُفْهِم أنَّ الإِيمان منقسم إلى خير وغيره ، وإلاَّ لم يكنْ لتقييده بالصفةِ فائدةٌ ، وقد يُقال : إنه قد يكون لا يقول بمفهوم الصفة ، وأيضاً فإن الصفة قد تأتي للتأكيد وغيره ذلك . الثالث : - وهو مذهب الكسائي وأبي عبيد - أنه منصوبٌ على خبرِ " كان " المضمرةِ تقديرُه : يكنِ الإِيمانُ خيراً . وقد ردَّ بعضُهم هذا المذهب بأن " كان " لا تُحْذَف مع اسمها دونَ خبرها إلا فيما لا بد له منه ، ويزيد ذلك ضعفاً أنَّ " يكن " المقدرةَ جوابُ شرط محذوف فيصير المحذوفَ الشرطُ وجوابُه ، يعني أنَّ التقديرَ : إنْ تؤمنوا يكنِ الإِيمانُ خيراً ، فَحَذفْتَ الشرطَ وهو " إنْ تؤمنوا " وجوابَه ، وهو " يكن الإِيمان " ، وأبقيتَ معمولَ الجواب وهو " خيراً " وقد يقال : إنه لا يُحتاج إلى إضمار شرطٍ صناعي وإن كان المعنى عليه ، لأنَّا نَدَّعي أن الجزم في " يكن " المقدرةِ إنما هو بنفس جملة الأمر التي قبله وهو وقوله : { فَآمِنُواْ } من غير تقدير حرفِ شرط ولا فعلٍ له ، وهو الصحيح في الأجوبة الواقعة لأحد الأشياء السبعة ، تقول : " قم أكرمْك " ف " أكرمك " جواب مجزوم بنفس " قم " لتضمُّن هذا الطلبِ معنى الشرط من غير تقدير شرط صناعي . الرابع : - والظاهرُ فساده- أنه منصوبٌ على الحال ، نقله مكي عن بعض الكوفيين ، قال : " وهو بعيد " ونقله أبو البقاء أيضاً ولم يَعْزُه .