فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (170)

{ يا أيها الناس } خطاب عام يدخل فيه جميع الكفار من اليهود والنصارى وعبدة الأصنام وغيرهم ، وقيل هو خطاب لمشركي مكة والعبرة بمفهوم اللفظ وهو عام { قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم } أي محمد صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده ، أو بالقرآن الذي هو الحق من عند ربكم وهو تكرير للشهادة وتقرير لحقية المشهود به ، وتمهيد لما بعده من الأمر بالإيمان .

{ فآمنوا } قال سيبويه والخليل أي اقصدوا أو آتوا { خيرا لكم } وقال الفراء : فآمنوا إيمانا خيرا لكم ، وقال أبو عبيدة والكسائي : فآمنوا يكن الإيمان خيرا لكم ، وأقوى هذه الأقوال الثالث ثم الأول ثم الثاني على ضعف فيه .

{ وإن تكفروا } أي وإن تستمروا على كفركم وتجحدوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وتكذبوا بما جاءكم به من الحق { فإن لله ما في السماوات والأرض } من مخلوقاته وأنتم من جملتهم ، ومن كان خالقا لكم ولها فهو قادر على مجازاتكم بقبيح أفعالكم .

ففي هذه الجملة وعيد لهم مع إيضاح وجه البرهان وإماطة الستر عن الدليل بما يوجب عليهم القبول والإذعان ، لأنهم يعترفون بأن الله خالقهم { ولئن سألتم من خلقهم ليقولن الله } وهو يعم ما اشتملتا عليه وما تركبتا منه { وكان الله عليما } بمن يؤمن ومن يكفر { حكيما } لا يسوي بينهما في الجزاء .