ثم ختمت السورة - ايضاً - حديثها الطويل المتنوع عن المنافقين بببيان موقفهم من نزول الآيات القرآنية على الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
فقال - تعالى - : { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ . . . قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } .
والمعنى : إذا ما أنزلت سورة من سور القرآن عليك يا محمد : تساءل المنافقون عنها في حذر وربيبة { فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ } لأشباهه في الكفر والنفاق على سبيل الاستهزاء والتهوين من شأن القرآن الكريم { أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هذه إِيمَاناً } أى : واحد منكم زادته هذه السورة النازلة إيمانا ؟
وهنا يجئ الرد الحاسم الذي يخرس ألسنتهم ، من جهته - تعالى - فيقول : { فَأَمَّا الذين آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } .
أى : فأما الذين آمنوا فزادهم نزول السورة القرآنية ، إيمانا على إيمانهم ، وثباتا على ثباتهم ، ويقينا على يقينهم ، " وهم " فوق ذلك " يستبشرون " ويفرحون بنزولها لما فيها من المنافع الدينية والدنيوية .
يقول تعالى : { وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ } فمن المنافقين { مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا } ؟ أي : يقول بعضهم لبعض أيكم زادته هذه السورة إيمانا ؟ قال الله تعالى : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } .
وهذه الآية من أكبر الدلائل على أن الإيمان يزيد وينقص ، كما هو مذهب أكثر السلف والخلف من أئمة العلماء ، بل قد حكى الإجماع على ذلك غير واحد ، وقد بسط الكلام على هذه المسألة في أول " شرح البخاري " رحمه الله ، { وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ } أي : زادتهم شكا إلى شكهم ، وريبا إلى ريبهم ، كما قال تعالى : { وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا } [ الإسراء : 82 ] ، وقال تعالى : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } [ فصلت : 44 ] ، وهذا من جملة شقائهم أن ما يهدي القلوب يكون سببا لضلالهم ودمارهم ، كما أن سيئ المزاج لو غذي بما غذي به لا يزيده إلا خبالا ونقصا .
{ وإذا ما أُنزلت سورة فمنهم } فمن المنافقين . { من يقول } إنكار واستهزاء . { أيّكم زادته هذه } السورة . { إيمانا } وقرئ { أيكم } بالنصب على إضمار فعل يفسره { زادته } . { فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا } بزيادة العلم الحاصل من تدبر السورة وانضمام الإيمان بها وبما فيها إلى إيمانهم . { وهم يستبشرون } بنزولها لأنه سبب لزيادة كمالهم وارتفاع درجاتهم .
هذه الآية نزلت في شأن المنافقين ، والضمير في قوله { فمنهم } عائد على المنافقين ، وقوله تعالى { أيكم زادته هذه إيماناً } يحتمل أن يكون لمنافقين مثلهم ، ويحتمل أن يكون لقوم من قراباتهم من المؤمنين يستنيمون إليهم{[5982]} ويثقون بسترهم عليهم ، ويطعمون في ردهم إلى النفاق ، ومعنى { أيكم زادته هذه إيماناً } الاستخفاف والتحقير لشأن السورة كما تقول : أي غريب في هذا أو أي دليل ، ثم ابتدأ عز وجل الرد عليهم والحكم بما يهدم لبسهم فأخبر أن المؤمنين الموقنين قد «زادتهم إيماناً » وأنهم { يستبشرون } من ألفاظها ومعانيها برحمة الله ورضوانه ، والزيادة في الإيمان موضع تخبط للناس وتطويل ، وتلخيص القول فيه أن الإيمان الذي هو نفس التصديق ليس مما يقبل الزيادة والنقص في نفسه ، وإنما تقع الزيادة في المصدق به ، فإذا نزلت سورة من الله تعالى حدث للمؤمنين بها تصديق خاص لم يكن قبل ، فتصديقهم بما تضمنته السورة من إخبار وأمر ونهي أمر زائد على الذي كان عندهم قبل ، فهذا وجه من زيادة الإيمان ، ووجه آخر أن السورة ربما تضمنت دليلاً أو تنبيهاً عليه فيكون المؤمن قد عرف الله بعدة أدلة ، فإذا نزلت السورة زادت في أدلته ، وهذه أيضاً جهة أخرى من الزيادة ، وكلها خارجة عن نفس التصديق إذا حصل تاماً ، فإنه ليس يبقى فيه موضع زيادة ، ووجه آخر من وجوه الزيادة أن الرجل ربما عارضه شك يسير أو لاحت له شبهة مشغبة فإذا نزلت السورة ارتفعت تلك الشبهة واستراح منها ، فهذا أيضاً زيادة في الإيمان إذ يرتقي اعتقاده عن مرتبة معارضة تلك الشبهة إلى الخلوص منها ، وأما على قول من يسمي الطاعات إيماناً وذلك مجاز عند أهل السنة فتترتب الزيادة بالسورة إذ تتضمن أوامر ونواهي وأحكاماً ، وهذا حكم من يتعلم العلم في معنى زيادة الإيمان ونقصانه إلى يوم القيامة ، فإن تعلم الإنسان العلم بمنزلة نزول سورة القرآن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.