معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَوَلَا يَرَوۡنَ أَنَّهُمۡ يُفۡتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٖ مَّرَّةً أَوۡ مَرَّتَيۡنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (126)

قوله تعالى : { أو لا يرون } ، قرأ حمزة ويعقوب : ترون بالتاء على خطاب المؤمنين ، وقرأ الآخرين بالياء ، خبر عن المنافقين المذكورين . { أنهم يفتنون } يبتلون { في كل عام مرة أو مرتين } ، بالأمراض والشدائد . وقال : مجاهد : بالقحط والشدة . وقال قتادة : بالغزو والجهاد . وقال مقاتل بن حيان : يفضحون بإظهار نفاقهم . وقال عكرمة : ينافقون ثم يؤمنون ثم ينافقون . وقال يمان : ينقضون عهدهم في السنة مرة أو مرتين . { ثم لا يتوبون } ، من نقض العهد ولا يرجعون إلى الله من النفاق ، { ولا هم يذكرون } ، أي : لا يتعظون بما يرون من تصديق وعد الله بالنصر والظفر للمسلمين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَوَلَا يَرَوۡنَ أَنَّهُمۡ يُفۡتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٖ مَّرَّةً أَوۡ مَرَّتَيۡنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (126)

وقوله : { أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ } توبيخ لهم على قسوة قلوبهم ، وانطماس بصيرتهم ، وغفلتهم عما يدعو إلى الاعتبار والاتعاظ .

أى : أبلغ الجهل والسفه وعمى البصيرة بهؤلاء ، أنهم صاروا لا يعتبرون ولا يتعظون بما حاق من فتن واختبارات وابتلاءات ، تنزل بهم في كل عام مرة أو مرتين ؟

ومن هذه الفتن والامتحانات : كشف مكرهم عن طريق اطلاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما يضمرونه من سوء ، وما يقولونه من منكر ، وما يفعلونه من أفعال خبيثة ، وحلول المصائب والأمراض بهم ، ومشاهدتهم لانتصار المؤمنين وخذلان الكافرين .

قال الآلوسى : والمراد من المرة والمرتين - على ما صرح به بعهضم - مجرد التكثير ، لا بيان الوقوع على حسب العدد المذكور .

وقوله : { ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ } بيان لرسوخهم في الجهل والجحود .

أى : ثم بعد كل هذه الفتن النازلة بهم ، لا يتوبون من نفاقهم { وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ } ويتعظون ، بل يصرون على مسالكهم الخبيثة ، وأعمالهم القبيحة ، مع أن من شأن الفتن والمصائب والمحن ، أنها تحمل على الاعتبار والاتعاظ ، والرجوع عن طريق الشر إلى طريق الخير .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوَلَا يَرَوۡنَ أَنَّهُمۡ يُفۡتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٖ مَّرَّةً أَوۡ مَرَّتَيۡنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (126)

يقول تعالى : أولا يرى هؤلاء المنافقون{[14018]} { أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ } أي : يختبرون { فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ } أي : لا يتوبون من ذنوبهم السالفة ، ولا هم يذكرون فيما يستقبل من أحوالهم .

قال مجاهد : يختبرون بالسَّنة والجوع .

وقال قتادة : بالغزو في السنة مرة أو مرتين .

وقال شريك ، عن جابر - هو الجعفي - عن أبي الضُّحى ، عن حذيفة : { أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ } قال : كنا نسمع في كل عام كذبة أو كذبتين ، فيضل بها فئام من الناس كثير . رواه ابن جرير .

وفي الحديث عن أنس : " لا يزداد الأمر إلا شدة ، ولا يزداد الناس إلا شحا ، وما من عام إلا والذي بعده شر منه " ، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم{[14019]} .


[14018]:- في ك ، أ : "المنافقين".
[14019]:- هذا الحديث مركب من حديثين عن أنس : الأول : رواه ابن ماجه في السنن برقم (4039) والحاكم في المستدرك (4/441) من طريق محمد بن خالد الجندي ، عن أبان ابن صالح ، عن الحسن ، عن أنس رضي الله عنه مرفوعا : "لا يزداد الأمر إلا شدة ، ولا الدنيا إلا إدبارا ، ولا الناس إلا شحا ، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ، وما المهدي إلا عيسى ابن مريم" ففيه ضعف ونكارة بينهما المؤلف - الحافظ ابن كثير في النهاية في الفتن والملاحم (1/32). وأما الثاني : فرواه البخاري في صحيحه برقم (7068) من طريق سفيان عن الزبير بن عدي قال : أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج ، فقال : "اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده أشر منه حتى تلقوا ربكم" سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوَلَا يَرَوۡنَ أَنَّهُمۡ يُفۡتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٖ مَّرَّةً أَوۡ مَرَّتَيۡنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (126)

{ أوَلا يرون } يعني المنافقين وقرئ بالتاء . { أنهم يُفتَنون } يبتلون بأصناف البليات ، أو بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعاينون ما يظهر عليه من الآيات . { في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون } لا ينتهون ولا يتوبون من نفاقهم . { ولا هم يذّكّرون } ولا يعتبرون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوَلَا يَرَوۡنَ أَنَّهُمۡ يُفۡتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٖ مَّرَّةً أَوۡ مَرَّتَيۡنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (126)

وقوله : { أولا يرون أنهم يفتنون } الآية ، وقرأ الجمهور «أولا يرون » بالياء على معنى أو لا يرى المنافقون ، وقرأ حمزة «أولا ترون » بالتاء على معنى أو لا ترون أيها المؤمنون ، فهذا تنبيه للمؤمنين ، وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب والأعمش «أولا ترى » أي أنت يا محمد .

وروي عن الأعمش أيضاً أنه قرأ «أو لم تروا » .

وذكر عنه أبو حاتم «أو لم تر » وقال مجاهد { يفتنون } معناه يختبرون بالسنة والجوع ، وحكى عنه النقاش أنه قال مرضة أو مرضتين ، وقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة : معناه يختبرون بالأمر بالجهاد ، والذي يظهر مما قبل الآية ومما بعدها أن الفتنة والاختبار إنما هي بكشف الله تعالى أسرارهم وإفشائه عقائدهم ، فهذا هو الاختبار الذي تقوم عليه الحجة برؤيته وترك التوبة ، وأما الجهاد أو الجوع فلا يترقب معهما ما ذكرناه ، فمعنى الآية على هذا فلا يزدجر هؤلاء الذين تفضح سرائرهم كل سنة مرة أو مرتين بحسب واحد واحد ، ويعلمون أن ذلك من عند الله فيتوبون ويتذكرون وعد الله ووعيده ، وأما الاختبار بالمرض فهو في المؤمنين وقد كان الحسن ينشد :

أفي كل عام مرضة ثم نقهة*** فحتى متى حتى متى وإلى متى ؟

وقالت فرقة : معنى { يفتنون } بما يشيعه المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأكاذيب ، فكأن الذي في قلوبهم مرض يفتنون في ذلك ، وحكى الطبري هذا القول عن حذيفة وهو غريب من المعنى .