قوله تعالى : { أم اتخذوا من دونه آلهةً } استفهام إنكار وتوبيخ ، { قل هاتوا برهانكم } يعني : حجتكم على ذلك ، ثم قال مستأنفاً ، { هذا } يعني القرآن . { ذكر من معي } فيه خبر من معي على ديني ومن يتبعني إلى يوم القيامة بما لهم من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية . { وذكر } خبر ، { من قبلي } من الأمم السالفة ما فعل بهم في الدنيا وما يفعل بهم في الآخرة . وعن ابن عباس في رواية عطاء : ذكر من معي : القرآن ، وذكر من قبلي : التوراة والإنجيل ، ومعناه : راجعوا القرآن والتوراة والإنجيل وسائر الكتب هل تجدون فيها أن الله اتخذ ولداً ؟
وبعد أن ساق - سبحانه - دليلا عقليا على وحدانيته ، أتبعه بدليل آخر نقلى ، فقال - تعالى - : { أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي . . . } .
قال الآلوسى ما ملخصه : هذا إضراب وانتقال من إظهار بطلان كون ما اتخذوه آلهة ، لخلوها من خصائصها التى من جملتها الإنشار ، إلى تبكيتهم ومطالبتهم بالبرهان على دعواهم الباطلة ، وتحقيق أن جميع الكتب السماوية ناطقة بحقية التوحيد ، وبطلان الإشراك .
أى : إن هؤلاء الكافرين قد أشركوا مع الله - تعالى - آلهة أخرى فى العبادة ، بسبب جهلهم وعنادهم وجحودهم للحق . . . قل لهم - أيها الرسول الكريم - على سبيل التبكيت والتوبيخ { هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } على أن مع الله - تعالى - آلهة أخرى تستحق مشاركته فى العبادة والطاعة ؟ ولا شك أنهم لا برهان لهم على ذلك .
وقوله - تعالى - : { هذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي } زيادة فى تبكيتهم وفى إظهار عجزهم ، أى : هذا الوحى الإلهى الناطق بتوحيد الله - تعالى - موجود فى القرآن الكريم المشتمل على ذكر بالمعاصرين لى من أتباعى ، وموجود فى كتب الأنبياء السابقين ، كالتوراة التى أنزلها الله على موسى ، والإنجيل الذى أنزله على عيسى ، فمن أين أتيتم أنتم بهؤلاء الشركاء ، وكيف اتخذتموهم آلهة مع أنهم لا برهان عليهم لا من جهة العقل ولا من جهة النقل ؟
فاسم الإشارة { هذا } فى قوله : { هذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ } مبتدأ ، مشار به إلى الوحى الإلهى ، وقد أخبر عنه - سبحانه - بخبرين - كما يقول الشيخ الجمل - : " بالنظر للخبر الأول يراد به القرآن ، وبالنظر للخبر الثانى يراد به ما عداه من الكتب السماوية " .
وقوله - تعالى - : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الحق فَهُمْ مُّعْرِضُونَ } إضراب من جهته - تعالى - عن مناقشتهم ومطالبتهم بالبرهان ، وانتقال من الأمر بتبكيتهم إلى الأمر بإهمالهم استصغارا لشأنهم .
أى : دعهم - أيها الرسول الكريم - فى باطلهم بعمهون فإنهم قوم أكثرهم يجهلون الحق ، ولا يستطيعون التمييز بينه وبين الباطل . فهم لأجل ذلك منصرفون عن الهدى ، ومتجهون إلى الضلال ، ومن جهل شيئا عاداه .
يقول تعالى : بل { اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ } يا محمد : { هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ } أي : دليلكم على ما تقولون ، { هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ } يعني : القرآن ، { وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي } يعني : الكتب المتقدمة على خلاف ما تقولون وتزعمون ، فكل كتاب أنزل على كل نبي أرسل ، ناطق بأنه لا إله إلا الله ، ولكن أنتم أيها المشركون لا تعلمون الحق ، فأنتم معرضون عنه ؛ ولهذا قال : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا يُوحَى{[19610]} إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ } ، كما قال : { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [ الزخرف : 45 ] ،
وقال : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } [ النحل : 36 ] ، فكل نبي بعثه الله يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، والفطرة شاهدة بذلك أيضا ، والمشركون لا برهان لهم ، وحجتهم داحضة عند ربهم ، وعليهم غضب ، ولهم عذاب شديد
{ أم اتخذوا من دونه آلهة } كرره استعظاما لكفرهم واستفظاعا لأمرهم وتبكيتا وإظهارا لجهلهم ، أو ضما لإنكار ما يكون لهم سندا من النقل إلى إنكار ما يكون لهم دليلا من العقل على معنى أوجدوا آلهة ، ينشرون الموتى فاتخذوهم آلهة ، لما وجدوا فيهم من خواص الألوهية ، أو وجدوا في الكتب الإلهية الأمر بإشراكهم فاتخذوهم متابعة للأمر ، ويعضد ذلك أنه رتب على الأول ما يدل على فساده عقلا وعلى الثاني ما يدل على فساده نقلا . { قل هاتوا برهانكم } على ذلك إما من العقل أو من النقل ، فإنه لا يصح القول بما لا دليل عليه كيف وقد تطابقت الحجج على بطلانه عقلا ونقلا . { هذا ذكر من معي وذكر من قبلي } من الكتب السماوية فانظروا هل تجدون فيها إلا الأمر بالتوحيد والنهي عن الإشراك ، والتوحيد لما لم يتوقف على صحته بعثة الرسل وإنزال الكتب صح الاستدلال فيه بالنقل و { من معي } أمته و { من قبلي } الأمم المتقدمة وإضافة ال { ذكر } إليهم لأنه عظتهم ، وقرىء بالتنوين ولا إعمال وبه وب { من } الجارة على أن مع اسم هو ظرف كقبل وبعد وشبههما وبعدهما . { بل كأكثرهم لا يعلمون الحق } ولا يميزون بينه وبين الباطل ، وقرىء { الحق } بالرفع على أنه خبر محذوف وسط للتأكيد بين السبب والمسبب . { فهم معرضون } عن التوحيد وإتباع الرسول من أجل ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.