قوله تعالى : { أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً } استعظام لكفرهم ، وهو استفهام إنكار وتوبيخ{[28111]} . { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } إما من جهة العقل وإما من جهة النقل ، واعلم أنه تعالى لما ذكر دليل التوحيد أولاً ، وقرر الأصل ، الذي عليه تخرج شبهات القائلين بالتثنية أخذ يطالبهم بدليل شبهتهم . قوله : { هذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ } العامة على إضافة «ذِكْرُ » إلى «مَنْ » أضاف المصدر إلى مفعوله كقوله تعالى «بِسُؤَالِ نَعْجَتِك »{[28112]} . وقرئ «ذِكْرٌ » بالتنوين فيهما و «مَنْ » مفتوحة الميم{[28113]} . نوّن المصدر ونصب به المفعول ( كقوله تعالى ){[28114]} { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً }{[28115]} . وقرأ يحيى بن يعمر «ذِكْرٌ » بتنوينهما{[28116]} و «مِنْ » بكسر الميم{[28117]} ، وفيه تأويلان :
أحدهما : أن ثم موصوفاً محذوفاً قامت صفته وهي الظرف مقامه ، والتقدير : هذا ذكر من كتاب معي ومن كتاب قبلي{[28118]} .
والثاني : أن «مَعِيَ » بمعنى عندي{[28119]} . ودخول «من » على «مع » في الجملة نادر ، لأنها ظرف لا يتصرف{[28120]} .
وقد ضعف أبو حاتم{[28121]} هذه القراءة ، ولم ير لدخول «من » على «مع » وجهاً{[28122]} .
ووجهه بعضهم بأنه اسم هو ظرف نحو ( قبل وبعد ) فكما تدخل ( من ) على أخواته كذلك تدخل عليه{[28123]} . وقرأ طلحة : «ذِكْرٌ مَعِي وذِكْرٌ قَبْلِي » بتنوينهما دون ( من ) فيهما{[28124]} . وقرأ طائفة «ذِكْرُ مَنْ » بالإضافة ل «من » كالعامة { وَذِكْرُ مَن قَبْلِي } بتنوينه وكسر ميم{[28125]} «من »{[28126]} ووجهها{[28127]} واضح مما تقدم{[28128]} .
قال ابن عباس «هذا ذكر من معي » أي : هو الكتاب المنزل على من معي ، «وهذا ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي »{[28129]} أي : الكتاب الذي نزل على من تقدمني من الأنبياء وهذه التوراة والإنجيل والزبور والصحف . وليس في شيء منها أني أذنت بأن تتخذوا إلهاً من دوني بل ليس فيها إلا أنني أنا الله لا إله إلا أنا{[28130]} كما قال بعد هذا : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن{[28131]} قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نوحي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إله{[28132]} إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون }{[28133]} . وهذا اختيار القفال والزجاج{[28134]} .
وقال سعيد بن جبير وقتادة ومقاتل والسدي : معناه : القرآن ذكر من معي فيه خبر من معي على ديني ، ومن يتبعني إلى يوم القيامة بما لهم من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية ، وذكر خبر من قبلي من الأمم السالفة ما فعل بهم في الدنيا وما يفعل بهم في الآخرة{[28135]} . وقال القفال : المعنى : قل لهم : هذا الكتاب الذي جئتكم به قد اشتمل على أحوال لمن معي من المخالفين والموافقين ، وعلى بيان أحوال من قبلي من المخالفين والموافقين ، فاختاروا لأنفسكم ، فكأن الغرض منه التهديد{[28136]} . ثم قال : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الحق } لما طالبهم بالدلالة على ما ادعوه ، وبين أنه لا دليل لهم البتة لا من جهة العقل ولا من جهة السمع ، ذكر بعده أن وقوعهم في هذا المذهب الباطل ليس لأجل دليل ساقهم إليه بل لأن عندهم أصل الشر والفساد وهو عدم العلم والإعراض عن استماع الحق{[28137]} .
العامة على نصب «الحَقَّ » وفيه وجهان :
أظهرهما : أنه مفعول به بالفعل قبله{[28138]} .
والثاني : أنه مصدر مؤكد . قال الزمخشري : ويجوز أن يكون المنصوب أيضاً على التوكيد لمضمون الجملة لسابقة كما تقول : هذا عبد الله الحق لا الباطل{[28139]} فأكد انتقاء العلم . وقرأ الحسن وابن محيصن وحميد برفع وحميد برفع «الحَقُّ »{[28140]} وفيه وجهان :
أحدهما : أنه خبر لمبتدأ مضمر{[28141]} .
والثاني : أنه خبر لمبتدأ مضمر{[28142]} .
قال الزمخشري «وقرئ » الحَقُّ «بالرفع على توسط التوكيد بين السبب والمسبب والمعنى أن إعراضهم بسبب الجهل هو الحق لا الباطل{[28143]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.