الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗۖ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡۖ هَٰذَا ذِكۡرُ مَن مَّعِيَ وَذِكۡرُ مَن قَبۡلِيۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡحَقَّۖ فَهُم مُّعۡرِضُونَ} (24)

قوله : { هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ } : العامَّةُ على إضافة " ذِكْر " إلى " مَنْ " إضافةَ المصدرِ إلى مفعولِه ، كقولِه تعالى : { بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ } [ ص : 24 ] . وقُرِىء " ذِكْرٌ " بالتنوين فيهما ، و " مَنْ " مفتوحة الميم ، نُوِّنَ المصدرُ ونُصِبَ به المفعولُ كقوله تعالى : { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً }

[ البلد : 14-15 ] .

وقرأ يحيى بن يعمر " ذِكْرٌ " بتنوينه و " مِنْ " بكسرِ الميم ، وفيه تأويلان ، أحدُهما : أنَّ ثَمَّ موصوفاً محذوفاً قامَتْ صفتُه وهي الظرف مَقامَه . والتقدير : هذا ذِكْرٌ مِنْ كتاب معي ، ومِنْ كتابٍ قبلي . والثاني : أنَّ " معي " بمعنى عندي . ودخولُ " مِنْ " على " مع " في الجملة نادرٌ ؛ لأنها ظرفٌ لا يَتَصَرَّف . وقد ضَعَّف أبو حاتم هذه القراءةَ ، ولم يَرَ لدخول " مِنْ " على " مع " وجهاً .

وقرأ طلحةُ " ذِكْرٌ معي وذكرٌ قبلي " بتنوينهما دونَ " مِنْ " فيهما . وقرأَتْ طائفةٌ " ذكرُ مَنْ " بالإِضافة ل " مَنْ " كالعامَّة ، " وذكرٌ مِنْ قبلُ " بتنوينِه وكسرِ ميم " مِنْ " . ووجهها واضحٌ ممَّا تتقدم .

قوله : { لاَ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ } العامَّةُ على نصب " الحق " . وفيه وجهان ، أظهرُهما : أنَّه مفعولٌ به بالفعلِ قبلَه . والثاني : أنه مصدرٌ مؤكِّد . قال الزمخشريُّ : " ويجوزُ أَنْ يكونَ المنصوبُ أيضاً على التوكيدِ لمضمونِ الجملةِ السابقة ، كما تقول : " هذا عبدُ الله الحقَّ لا الباطل " فأكَّدَ انتفاءَ العِلْم " .

وقرأ الحسن وابن محيصن وحميد برفع " الحق " . وفيه وجهان ، أحدُهما : أنَّه مبتدأٌ والخبرُ مضمرٌ . والثاني : أنه خبرٌ لمبتدأ مضمرٍ . قال الزمخشري : " وقُرِىء " الحقُّ " بالرفعِ على توسيطِ التوكيد بين السببِ والمُسَبَّب . والمعنى : أن إعراضَهم بسببِ الجهلِ هو الحقُّ لا الباطلُ " .