فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗۖ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡۖ هَٰذَا ذِكۡرُ مَن مَّعِيَ وَذِكۡرُ مَن قَبۡلِيۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡحَقَّۖ فَهُم مُّعۡرِضُونَ} (24)

{ أم اتخذوا من دونه آلهة . . }

{ برهانكم } حجتكم ودليلكم . { هذا ذكر من معي } تذكرتهم وموعظتهم ، أو الكتاب المنزل لهم .

أعاد التعجب في اتخاذ الآلهة من دون الله في التوبيخ . . . وقيل : الأول احتجاج من حيث المعقول ؛ لأنه قال : { هم ينشرون } ويحيون الموتى ؟ هيهات {[2127]} ؛ { قل هاتوا برهانكم } احتجاج بالمنقول ، أي : في أي كتاب قرأتم أن مع الله تعالى آلهة أخرى ؟ ! وهذا الإبطال لما ادعوه من جهة العقل والنقل جاء مثله في قول الحق جل علاه : { قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين ){[2128]} .

{ هذا ذكر من معي وذكر من قبلي } هذا الوحي فيه تذكرة وموعظة للذين بعثت فيهم ، وذكر من كانوا قبلي ، أو : هذا الذكر الحكيم الذي أنزل للأمة الخاتمة ، وهذا ما أنزل الله تعالى على الأمم السالفة ، ففي أي أحد منها وجدتم ما يسوغ لكم مجرد شبهة في تفرد الخلاق العليم بالألوهة ؟ ! قال قتادة : الإشارة إلى القرآن ؛ المعنى : { هذا ذكر من معي } بما يلزمهم من الحلال والحرام { وذكر من قبلي } من الأمم ممن نجا بالإيمان وهلك بالشرك .

{ بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون } فيه تنبيه على أن وقوعهم في هذا الزيغ ليس لأجل دليل ساقهم إليه ، بل لأن عندهم ما هو أصل الشر والفساد ، وهو عدم العلم وفقد التمييز بين الحق والباطل ، فلذلك أعرضوا عن سماع الحق وطلبه ؛ وفي لفظ الأكثر إشارة إلى أن فيهم من يعلم ولكنه يعاند . {[2129]}


[2127]:ما بين العارضتين مما أورد النيسابوري.
[2128]:سورة الأحقاف. الآية 3.
[2129]:بعض هذا مقتبس من تفسير غرائب القرآن.