فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗۖ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡۖ هَٰذَا ذِكۡرُ مَن مَّعِيَ وَذِكۡرُ مَن قَبۡلِيۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡحَقَّۖ فَهُم مُّعۡرِضُونَ} (24)

{ أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً } أي بل اتخذوا ، وفيه إضراب وانتقال من إظهار بطلان كونها آلهة بالبرهان السابق ، إلى إظهار بطلان اتخاذها آلهة مع توبيخهم بطلب البرهان منهم ، ولهذا قال : { قُلْ هَاتُوا برهانكم } على دعوى أنها آلهة ، أو على جواز اتخاذ آلهة سوى الله ، ولا سبيل لهم إلى شيء من ذلك ، لا من عقل ولا نقل ، لأن دليل العقل قد مرّ بيانه ، وأما دليل النقل فقد أشار إليه بقوله : { هذا ذِكْرُ مَن مَعِي وَذِكْرُ مَن قَبْلِي } أي هذا الوحي الوارد في شأن التوحيد المتضمن للبرهان القاطع ذكر أمتي وذكر الأمم السالفة وقد أقمته عليكم وأوضحته لكم ، فأقيموا أنتم برهانكم . وقيل : المعنى هذا القرآن وهذه الكتب التي أنزلت قبلي فانظروا : هل في واحد منها أن الله أمر باتخاذ إله سواه . قال الزجاج : قيل لهم : هاتوا برهانكم بأن رسولاً من الرسل أنبأ أمته بأن لهم إلها غير الله ، فهل ذكر من معي وذكر من قبلي إلا توحيد الله ؟ وقيل معنى الكلام : الوعيد والتهديد ، أي افعلوا ما شئتم فعن قريب ينكشف الغطاء . وحكى أبو حاتم : أن يحيى بن يعمر وطلحة بن مصرف قرآ : «هذا ذكر من معي وذكر من قبلي » بالتنوين وكسر الميم ، وزعم أنه لا وجه لهذه القراءة . وقال الزجاج في توجيه هذه القراءة : إن المعنى : هذا ذكر مما أنزل إليّ ومما هو معي وذكر من قبلي . وقيل : ذكر كائن من قبلي ، أي جئت بما جاءت به الأنبياء من قبلي . ثم لما توجهت الحجة عليهم ذمهم بالجهل بمواضع الحق فقال : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الحق } وهذا إضراب من جهته سبحانه وانتقال من تبكيتهم بمطالبتهم بالبرهان إلى بيان أنه لا يؤثر فيهم إقامة البرهان ، لكونهم جاهلين للحق لا يميزون بينه وبين الباطل . وقرأ ابن محيصن والحسن : «الحق » بالرفع على معنى هذا الحق ، أو هو الحق ، وجملة : { فَهُمْ مُعْرِضُونَ } تعليل لما قبله من كون أكثرهم لا يعلمون أي فهم لأجل هذا الجهل المستولي على أكثرهم معرضون عن قبول الحق مستمرّون على الإعراض عن التوحيد واتباع الرسول ، فلا يتأملون حجة ، ولا يتدبرون في برهان ، ولا يتفكرون في دليل .

/خ25