معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{بَلۡ مَتَّعۡنَا هَـٰٓؤُلَآءِ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۗ أَفَلَا يَرَوۡنَ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَآۚ أَفَهُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ} (44)

قوله تعالى :{ بل متعنا هؤلاء } الكفار { وآباءهم } في الدنيا أي : أمهلناهم . وقيل : أعطيناهم النعمة ، { حتى طال عليهم العمر } أي امتد بهم الزمان فاغتروا . { أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } أي : ما ننقص من أطراف المشركين ونزيد في أطراف المؤمنين ، يريد ظهور النبي صلى الله عليه وسلم وفتحه ديار الشرك أرضاً فأرضاً ، { أفهم الغالبون } أم نحن .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{بَلۡ مَتَّعۡنَا هَـٰٓؤُلَآءِ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۗ أَفَلَا يَرَوۡنَ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَآۚ أَفَهُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ} (44)

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن نعمة أخرى من نعم الله عليهم لم يحسنوا شكرها ، فقال - تعالى - : { بَلْ مَتَّعْنَا هؤلاء وَآبَآءَهُمْ حتى طَالَ عَلَيْهِمُ العمر . . . } .

أى : لا تلتفت - أيها الرسول الكريم - إلى هؤلاء المشركين الذين أعرضوا عن ذكر ربهم ، والذين زعموا أن آلهتهم تضر أو تنفع ، فإننا قد كلأناهم برعايتنا بالليل والنهار ، ومتعناهم وآباءهم من قبلهم بالكثير من متع الحياة الدنيا ، حتى طالت أعمارهم فى رخاء ونعمة ، فحملهم ذلك على الطغيان والبطر والإصرار على الكفر .

وسنأخذهم فى الوقت الذى نريده أخذ عزيز مقتدر ، فإن ما أعطيناه لهم من نعم إنما هو على سبيل الاستدراج لهم .

ثم يلفت - سبحانه - أنظارهم إلى الوقاع المشاهد فى هذه الحياة فيقول : { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ الغالبون } .

وللعلماء فى تفسير هذه الجملة الكريمة أقوال منها : أن المراد بنقص الأرض من أطرافها : إهلاك المشركين السابقين الذين كذبوا رسلهم ، كقوم نوح وعاد وثمود ، وهم يمرون على قرى بعض هؤلاء المكذبين ، ويرون آثارهم وقد دمرت ديارهم .

والمعنى : أفلا ينظرون هؤلاء المشركون الذين كذبوك يا محمد ، فيرون بأعينهم ما حل بأمثالهم ممن كذبوا الرسل من قبلك . وكيف أننا طوينا الأرض بهم . وجعلناهم أثرا بعد عين .

والاستفهام فى قوله : { أَفَهُمُ الغالبون } للإنكار .

أى : لم تكن الغلبة والعاقبة في يوم من الأيام لمن كذبوا رسل الله - تعالى - وإنما الغلبة والظفر وحسن العاقبة لمن آمن بالرسل وصدقهم واتبع ما جاءوا به من عند ربهم .

وقد أشار الإمام ابن كثير إلى هذا المعنى بقوله : " أفلا يعتبرون نصر الله لأوليائه على أعدائه ، وإهلاكه الأمم المكذبة والقرى الظالمة وإنجائه لعباده المؤمنين . ولهذا قال : { أَفَهُمُ الغالبون } .

يعنى : بل هم المغلوبون الأسفلون الأخسرون الأرذلون .

ومنها أن المراد بنقص الأرض من أطرافها : نقص أرض الكفر ودار الحرب ، وتسليط المسلمين عليها وانتزاعها من أيديهم بدليل الاستفهام الإنكارى فى قوله { أَفَهُمُ الغالبون } أى : لا . . . ليسوا هم الذين يغلبون جندنا ، وإنما جندنا هم الغالبون .

وقد صدر الآلوسى تفسيره لهذا القول فقال : " أفلا يرون أنا تأتى الأرض " أى : أرض الكفرة " ننقصها من أطرافها " بتسليط المسلمين عليها ، وحوز ما يحوزونه منها ، ونظمه فى سلك ملكهم . . . " أفهم الغالبون " على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين .

والمراد إنكار ترتيب الغالبية على ما ذكر من نقص أرض الكفرة بتسليط المؤمنين عليها ، كأنه قيل : أبعد ظهور ما ذكر ورؤيتهم له يتوهم غلبتهم ، وفى التعريف تعريض بأن المسلمين هم المتعينون للغلبة المعروفون فيها .

وقال صاحب الكشاف : " فإن قلت : أى فائدة فى قوله { نَأْتِي الأرض } ؟ .

قلت : فيه تصوير ما كان الله يجريه على أيدى المسلمين ، وأن عساكرهم وسراياهم كانت تغرو أرض المشركين وتأتيها غالبة عليها ، ناقصة من أطرافها .

وهذان الرأيان مع وجاهتهما ، إلا أن الرأى الأول الذى ذهب إليه ابن كثير أكثر شمولا ، لأنه يتناول ما أصاب المكذبين للرسل السابقين من عقاب كما يشمل التهديد للمكذبين المعاصرين للعهد النبوى ، بأنهم إذا استمروا فى طغيانهم فسيحل بهم ما حل بمن سبقوهم .

وهناك من يرى أن المراد بنقص الرض من أطرافها : موت العلماء ، أو خرابها عند موت أهلها ، أو نقص الأنفس والثمرات . . . . ولكن هذه الآراء ليس معها ما يرجحها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{بَلۡ مَتَّعۡنَا هَـٰٓؤُلَآءِ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۗ أَفَلَا يَرَوۡنَ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَآۚ أَفَهُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ} (44)

يقول تعالى مخبرًا عن المشركين : إنما غرهم وحملهم على ما هم فيه من الضلال ، أنهم مُتّعوا في الحياة الدنيا ، ونعموا وطال عليهم العمر فيما هم فيه ، فاعتقدوا أنهم على شيء .

ثم قال واعظًا لهم : { أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } اختلف المفسرون في معناه ، وقد أسلفناه في سورة " الرعد " ، وأحسن ما فسر بقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ الاحقاف : 27 ] .

وقال الحسن البصري : يعني بذلك ظهور الإسلام على الكفر .

والمعنى : أفلا يعتبرون بنصر الله لأوليائه على أعدائه ، وإهلاكه الأمم المكذبة والقرى الظالمة ، وإنجائه لعباده المؤمنين ؛ ولهذا قال : { أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ } يعني : بل هم المغلوبون الأسفلون الأخسرون الأرذلون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{بَلۡ مَتَّعۡنَا هَـٰٓؤُلَآءِ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۗ أَفَلَا يَرَوۡنَ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَآۚ أَفَهُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ} (44)

{ بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر } إضراب عما توهموا ببيان ما هو الداعي إلى حفظهم وهو الاستدراج والتمتع بما قدر لهم من الأعمار ، أو عن الدلالة على بطلانه ببيان ما أوهمهم ذلك ، وهو أنه تعالى متعهم بالحياة الدنيا وأمهلهم حتى طالت أعمارهم فحسبوا أن لا يزالوا كذلك وأنه بسبب ما هم عليه ولذلك عقبه بما يدل على أنه أمل كاذب فقال : { أفلا يرون أنا نأتي الأرض } أرض الكفرة . { ننقصها من أطرافها } بتسليط المسلمين عليها ، وهو تصوير لما يجريه الله تعالى على أيدي المسلمين . { أفهم الغالبون } رسول الله والمؤمنين .