فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{بَلۡ مَتَّعۡنَا هَـٰٓؤُلَآءِ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۗ أَفَلَا يَرَوۡنَ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَآۚ أَفَهُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ} (44)

لما أبطل كون الأصنام نافعة أضرب عن ذلك منتقلاً إلى بيان أن ما هم فيه من الخير والتمتع بالحياة العاجلة هو من الله ، لا من مانع يمنعهم من الهلاك ، ولا من ناصر ينصرهم على أسباب التمتع فقال : { بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاء وَآبَاءهُمْ } يعني : أهل مكة متعهّم الله بما أنعم عليهم { حتى طَالَ عَلَيْهِمُ العمر } فاغترّوا بذلك وظنوا أنهم لا يزالون كذلك ، فرد سبحانه عليهم قائلاً : { أَفَلاَ يَرَوْنَ } أي أفلا ينظرون فيرون { أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } أي أرض الكفر ننقصها بالظهور عليها من أطرافها فنفتحها بلداً بعد بلد وأرضاً بعد أرض ، وقيل : ننقصها بالقتل والسبي ، وقد مضى في الرعد الكلام على هذا مستوفى ، والاستفهام في قوله : { أَفَهُمُ الغالبون } للإنكار ، والفاء للعطف على مقدّر كنظائره ، أي كيف يكونون غالبين بعد نقصنا لأرضهم من أطرافها ؟ وفي هذا إشارة إلى أن الغالبين هم المسلمون .

/خ56