إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{بَلۡ مَتَّعۡنَا هَـٰٓؤُلَآءِ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۗ أَفَلَا يَرَوۡنَ أَنَّا نَأۡتِي ٱلۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَآۚ أَفَهُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ} (44)

وقوله تعالى : { بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاء وَآبَاءهُمْ حتى طَالَ عَلَيْهِمُ العمر } إضرابٌ عما توهموا ببيان أن الداعيَ إلى حفظهم تمتيعُنا إياهم بما قدّر لهم من الأعمار أو عن الدِلالة على بطلانه ببيان ما أوهمهم ذلك ، وهو أنه تعالى متعهم بالحياة الدنيا وأمهلهم حتى طالت أعمارُهم فحسِبوا أن لا يزالوا كذلك وأنه بسبب ما هم عليه ، ولذلك عقّب بما يدل على أنه طمعٌ فارغٌ وأمل كاذبٌ حيث قيل : { أَفَلاَ يَرَوْنَ } أي ألا ينظرون فلا يرَون { أَنَّا نَأْتِي الأرض } أي أرضَ الكفرة { نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } فكيف يتوهمون أنهم ناجون من بأسنا ، وهو تمثيلٌ وتصويرٌ لما يُخْرِبه الله عز وجل من ديارهم على أيدي المسلمين ويُضيفها إلى دار الإسلام { أَفَهُمُ الغالبون } على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، والفاء لإنكار ترتيب الغالبيةِ على ما ذكر من نفس أرضِ الكفرةِ بتسليط المسلمين عليها ، كأنه قيل : أبعد ظهورِ ما ذكر ورؤيتِهم له يتوهم غلَبتُهم ؟ كما مر في قوله تعالى : { أَفَمَن كَانَ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ } وقولِه تعالى : { قُلْ أفاتخذتم مّن دُونِهِ أَوْلِيَاء } وفي التعريف تعريضٌ بأن المسلمين هم المتعيِّنون للغلَبة المعروفون بها .