قوله : { وأرسلناه إلى مائة ألف } : قال قتادة : أرسل إلى أهل نينوى من أرض الموصل قبل أن يصيبه ما أصابه . وقوله : { وأرسلناه } : أي : وقد أرسلناه ، وقيل : كان إرساله بعد خروجه من بطن الحوت إليهم ، وقيل : إلى قوم آخرين .
{ أو يزيدون } : قال مقاتل والكلبي : معناه : بل يزيدون ، وقال الزجاج : ( ( أو ) ) هنا على أصلها ، ومعناه : أو يزيدون على تقديركم وظنكم ، كالرجل يرى قوماً فيقول : هؤلاء ألف أو يزيدون ، فالشك على تقدير المخلوقين ، والأكثرون على أن معناه : ويزيدون .
واختلفوا في مبلغ تلك الزيادة فقال ابن عباس و مقاتل : كانوا عشرين ألفاً ، ورواه أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال الحسن : بضعاً وثلاثين ألفاً ، وقال سعيد بن جبير : سبعين ألفاً .
{ وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } : أى : وبعد أن تداركته رحمتنا ، وأخرجناه من بطن الحوت ، ورعيناه برعايتنا ، أرسلناه إلى مائة ألف من الناس أو يزيدون على ذلك فى نظر الناظر إليهم ، فآمنوا جميعا .
قال الإِمام ابن كثير : ولا مانع من أن يكون الذين أرسل إليهم أولا ، أمر بالعودة إليهم بعد خروجه من بطن الحوت ، فصدقوه كلهم ، وآمنوا به ، وحكى البغوى أنه أرسل إلى أة أخرى بعد خروجه من بطن الحوت ، فصدقوه كلهم ، وآمنوا به ، وحكى البغى أنه أرسل إلى أمة أخرى بعد خروجه من الحوت ، كانوا مائة ألف ما أو يزيدون .
هذا ومن العبر التى نأخذها من هذه القصة ، أن رحمة الله - تعالى - قريب من المحسنين ، وأن العبد إذا تاب توبة صادقة نصوحا ، وفى الوقت الذى تقبل فيه التوبة ، قبل الله - تعالى - توبته ، وفرج عنه كربه ، وأن التسبيح يكون سببا فى رفع البلاء .
وبعد هذه الجولة مع قصص بعض الأنبياء ، أمر الله - تعالى - قريب من المحسنين ، وأن العبد إذا تاب توبة صادقة نصوحا ، وفى الوقت الذى تقبل فيه التوبة ، قبل الله - تعالى - توبته ، وفرج عنه كربه ، وأن التسبيح يكون سببا فى رفع البلاء .
قوله تعالى : { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } : روى شَهْر بن حَوْشَب عن ابن عباس أنه قال : إنما كانت رسالة يونس بعد ما نبذه الحوت ، رواه ابن جرير : حدثني الحارث قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا أبو هلال عن شهر به . وقال ابن أبي نَجِيح عن مجاهد : أرسل إليهم قبل أن يلتقمه الحوت . قلت : ولا مانع أن يكون الذين أرسل إليهم أولا أمر بالعود إليهم بعد خروجه من الحوت ، فصدقوه كلهم وآمنوا به . وحكى البغوي أنه أرسل إلى أمة أخرى بعد خروجه من الحوت ، كانوا مائة ألف أو يزيدون .
وقوله : { أَوْ يَزِيدُونَ } : قال ابن عباس - في رواية عنه - : بل يزيدون ، وكانوا مائة وثلاثين ألفا . وعنه : مائة ألف وبضعةً وثلاثين ألفا . وعنه : مائة ألف وبضعةً وأربعين ألفا . وقال سعيد بن جبير : يزيدون سبعين ألفا .
وقال مكحول : كانوا مائة ألف وعشرة آلاف ، رواه ابن أبي حاتم . وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الرحيم البَرْقي ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال : سمعت زُهَيرًا عمن سمع أبا العالية قال : حدثني أبي بن كعب : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله : { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } ، قال : " يزيدون عشرين ألفا " .
ورواه الترمذي عن علي بن حُجْر ، عن الوليد بن مسلم ، عن زُهَير ، عن رجل ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب ، به ، وقال : غريب . ورواه ابن أبي حاتم من حديث زهير ، به{[25122]} .
قال ابن جرير : وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول في ذلك : معناه إلى المائة الألف{[25123]} ، أو كانوا يزيدون عندكم ، يقول : كذلك كانوا عندكم .
وهكذا سلك ابن جرير هاهنا ما سلكه عند قوله تعالى : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } [ البقرة : 74 ] ، وقوله { إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً } [ النساء : 77 ] ، وقوله : { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى } [ النجم : 9 ] أن المراد ليس أنقص من ذلك ، بل أزيد .
يقول تعالى ذكره : فأرسلنا يونس إلى مئة ألف من الناس ، أو يزيدون على مئة ألف . وذُكر عن ابن عباس أنه كان يقول : معنى قوله أوْ : بل يزيدون . ذكر الرواية بذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن الحكم بن عبد الله بن الأزور ، عن ابن عباس ، في قوله : { وأرْسلْناهُ إلى مِئَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ } : قال : بل يزيدون ، كانوا مئة ألف وثلاثين ألفا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جُبَير ، في قوله : { مِئَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ } قال : يزيدون سبعين ألفا ، وقد كان العذاب أرسل عليهم ، فلما فرّقوا بين النساء وأولادها ، والبهائم وأولادها ، وعجّوا إلى الله ، كشف عنهم العذاب ، وأمطرت السماء دما .
حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : سمعت زُهَيرا ، عمن سمع أبا العالية ، قال : ثني أبيّ بن كعب ، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله : { وأرْسَلْناهُ إلى مِئَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ } : قال : يزيدون عشرين ألفا .
وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول في ذلك : معناه إلى مئة ألف أو كانوا يزيدون عندكم ، يقول : كذلك كانوا عندكم .
وإنما عنى بقوله : { وأرْسَلْناهُ إلى مِئَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ } : أنه أرسله إلى قومه الذين وعدهم العذاب ، فلما أظلّهم تابوا ، فكشف الله عنهم . وقيل : إنهم أهل نينَوَى . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وأرْسَلْناهُ إلى مِئَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ أرسل إلى أهل نينوى من أرض الموصل ، قال : قال الحسن : بعثه الله قبل أن يصيبه ما أصابه فَآمَنُوا فَمَتّعْناهُمْ إلى حِينٍ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { إلى مِئَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ } : قال : قوم يونس الذين أرسل إليهم قبل أن يلتقمه الحوت .
وقيل : إن يونس أُرسل إلى أهل نِيْنَوَى بعد ما نبذه الحوت بالعراء . ذكر من قال ذلك :
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : سمعت أبا هلال محمد بن سليمان ، قال : حدثنا شهر بن حوشب ، قال : أتاه جبرائيل ، يعني يونس ، وقال : انطلق إلى أهل نِيْنَوَى فأنذرهم أن العذاب قد حضرهم قال : ألتمس دابة قال : الأمر أعجل من ذلك ، قال : ألتمس حذاء ، قال : الأمر أعجل من ذلك ، قال : فغضب فانطلق إلى السفينة فركب فلما ركب احتبست السفينة لا تُقدّم ولا تُؤخر قال : فتساهموا ، قال : فسُهم ، فجاء الحوت يبصبص بذنبه ، فنودي الحوت : أيا حوت إنا لم نجعل يونس لك رزقا ، إنما جعلناك له حوزا ومسجدا قال : فالتقمه الحوت ، فانطلق به من ذلك المكان حتى مرّ به على الأيْلة ، ثم انطلق به حتى مرّ به على دجلة ، ثم انطلق به حتى ألقاه في نينوى .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا أبو هلال ، قال : حدثنا شهر بن حوشب ، عن ابن عباس قال : إنما كانت رسالة يونس بعد ما نبذه الحوت .