قوله تعالى : { قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون } أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنبأنا أبو نعيم الإسفرايني ، أنبأنا أبو عوانة ، حدثنا السلمي ، حدثنا النضر بن محمد ، حدثنا عكرمة بن عمار ، أنبأنا يحيى بن أبي كثير ، حدثنا أبو سلمة ، قال : سألت عائشة رضي الله عنها بم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة من الليل ؟ قالت : كان يقول : " اللهم رب جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " .
ثم أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يلتجئ إلى خالقه وحده من شرور هؤلاء المشركين ، وأن يفوض أمره إليه ، فقال - تعالى - { قُلِ اللهم فَاطِرَ السماوات والأرض عَالِمَ الغيب والشهادة أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } .
ولفظ : { اللهم } أصله يا الله . فلما استعمل دون حرف النداء . عوض عنه بالميم المشددة التى فى آخره .
ولفظ " فاطر ، عالم " منصوبان على النداء .
أى : قل - أيها الرسول الكريم - على سبيل الاستعاذة والاعتزال لما عليه هؤلاء المشركون من جهل وسفه ، يا الله ، يا خالق السموات والأرض ويا عالم الغائب والمشاهد والخفى والظاهر من أمور خلقك ، أنت وحدك الذى تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون فى الدنيا ، فتجازى كل نفس بما تستحقه من ثواب أو عقاب .
وما دام الأمر كذلك ، فاهدنى إلى صراط المستقيم ، وجنبنى الشرك والمشركين .
فالمقصود بالآية الكريمة تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما فعله المشركون معه ، وإرشاده إلى ما يعصمه من كيدهم . وتعليم العباد وجوب الالتجاء إلى الله - تعالى - وحده - لدفع كيد أعدائه عنهم .
وقد ساق الإِملام ابن كثير عند تفسير لهذه الآية جملة من الأحاديث ، منها ما رواه الإِمام مسلم فى صحيحه عن أبى مسلمة بن عبد الرحمن قال : سألت عائشة : بأى شئ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل ؟
قالت : كان إذا قام من الليل افتتح صلاته بقوله : " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض . عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، أهدنى لما اخْتُلِفَ فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم . . . " .
وقال صاحب الكشاف : " بعل - بكسر العين - أى : دهش وفزع رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة شكيمتهم فى الكفر ، فقيل له : " ادع الله بأسمائه الحسنى ، وقل : أنت وحدك تقدر على الحكم بينى وبينهم ، ولا حيلة لغيرك فيهم " وفيه وصف حالهم ، وإعذار لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسلية له ، ووعيد لهم . .
يقول تعالى بعد ما ذكر عن المشركين ما ذكر من المذمة ، لهم في حبهم الشرك ، ونفرتهم عن التوحيد { قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } أي : ادع أنت الله وحده لا شريك له ، الذي خلق السموات والأرض وفطرها ، أي : جعلها على غير مثال سبق ، { عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } أي : السر والعلانية ، { أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } أي : في دنياهم{[25153]} ، ستفصل بينهم يوم معادهم ونشورهم ، وقيامهم من قبورهم .
وقال {[25154]} مسلم في صحيحه : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا عمر بن يونس ، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، حدثني أبو سلمة{[25155]} بن عبد الرحمن قال : سألت عائشة [ رضي الله عنها ] {[25156]} بأي شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل ؟ قالت : كان إذا قام من الليل افتتح صلاته : «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم »{[25157]} وقال{[25158]} الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، وأخبرنا سهيل بن أبي صالح وعبد الله بن عثمان بن خُثَيم ، عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن عبد الله بن مسعود{[25159]} أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من قال : اللهم فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، إني أعهد إليك في هذه الدنيا{[25160]} أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، وأن محمدا عبدك ورسولك ، فإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير ، وإني لا أثق إلا برحمتك ، فاجعل لي عندك عهدا تُوَفِّينيه يوم القيامة ، إنك لا تخلف الميعاد ، إلا قال الله ، عز وجل ، لملائكته يوم القيامة : إن عبدي قد عهد إلي عهدا فأوفوه إياه ، فيدخله الله الجنة » .
قال سهيل : فأخبرت القاسم بن عبد الرحمن أن عونا أخبر بكذا وكذا ؟ فقال : ما في أهلنا جارية إلا وهي تقول هذا في خدرها . انفرد به الإمام أحمد{[25161]} .
وقال{[25162]} الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لَهِيعة ، حدثني حُييّ{[25163]} بن عبد الله ؛ أن أبا عبد الرحمن حدثه قال : أخرج لنا عبد الله بن عمرو قرطاسا وقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا يقول : «اللهم فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت رب كل شيء ، وإله كل شيء ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، وحدك لا شريك لك ، وأن محمدا عبدك ورسولك ، والملائكة يشهدون ، أعوذ بك من الشيطان وشركه ، وأعوذ بك أن أقترف على نفسي إثما ، أو أجره إلى{[25164]} مسلم » .
قال أبو عبد الرحمن : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه{[25165]} عبد الله بن عمرو أن يقول ذلك حين يريد أن ينام . تفرد به أحمد أيضا{[25166]} .
وقال{[25167]} [ الإمام ]{[25168]} أحمد أيضا : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا ابن عياش{[25169]} ، عن محمد بن زياد الألهاني ، عن أبي راشد الحُبْرَاني قال : أتيت عبد الله بن عمرو فقلت له : حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فألقى بين يَدَي صحيفة فقال : هذا ما كتب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظرت فيها فإذا فيها أن أبا بكر الصديق{[25170]} قال : يا رسول الله ، علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أبا بكر ، قل اللهم فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، لا إله إلا أنت ، رب كل شي ومليكه ، أعوذ بك من شر نفسي ، وشر الشيطان وشركه ، أو{[25171]} أقترف على نفسي سوءا ، أو أجره إلى مسلم » .
ورواه الترمذي ، عن الحسن بن عرفة ، عن إسماعيل بن عياش{[25172]} ، به{[25173]} ، وقال : حسن غريب من هذا الوجه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم ، حدثنا شيبان ، عن ليث ، عن مجاهد قال : قال أبو بكر الصديق : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت ، وإذا أخذت مضجعي من الليل : " اللهم فاطر السموات والأرض " إلى آخره{[25174]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.