فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ عَٰلِمَ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ أَنتَ تَحۡكُمُ بَيۡنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (46)

ولما لم يقبل المتمردون من الكفار ما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدعاء إلى الخير ، وصمموا على كفرهم أمره الله سبحانه ، أن يرد الأمر إلى الله سبحانه ، ويلتجئ إليه تعالى بالدعاء لما تحير في أمرهم ، وعجز في عنادهم وشدة شكيمتهم ، فإنه القادر على الأشياء ، العالم بالأحوال كلها فقال : { قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ( 46 ) } . { قُلِ اللَّهُمَّ } أصله بالله عوض عنها الميم لقربها من حروف العلة ، وشددت لتكون على حرفين كالمعوض عنه ، ولذا لم يجمع بينهما ، فلا يقال : اللهم في فصيح الكلام ، وما سمع من قوله :

إني إذا ما حدث ألمّا *** أقول : يا اللهم يا اللهما .

فضرورة قاله الرخى { فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي مبدعهما { عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } أي ما غاب وشوهد ، وهما منصوبان على النداء :

{ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من الهدى والضلالة ، والمعنى تجازي المحسن بإحسانه ، وتعاقب المسيء يإساءته ، فإنه بذلك يظهر من هو المحق ، ومن هو المبطل ، ويرتفع عنده خلاف المختلفين ، وتخاصم المتخاصمين .

وقيل : هذه محاكة من النبي للمشركين إلى الله تعالى .

وعن ابن المسيب لا أعرف آية قرئت فدعي عندها إلا أجيب سواها ، وعن الربيع ابن خيثم وكان قليل الكلام أنه أخبر بقتل الحسين رضي الله عنه ، وقالوا الآن يتكلم فما زاد أن قال آه أو قد فعلوا ، وقرأ هذه الآية ، وروي أنه قال على إثره . قتل من كان صلى الله عليه وسلم يجلسه في حجره ويضع فاه على فيه .

وأخرج مسلم وأبو داود والبيهقي في الأسماء والصفات عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته :

( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) {[1445]} . ثم لما حكى عن الكفار ما حكاه من الاشمئزاز عند ذكر الله والاستبشار عند ذكر الأصنام ذكر ما يدل على شدة عذابهم وعظم عقوبتهم فقال : { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ( 47 ) }


[1445]:الجزء الأول منه أخرجه النسائي 2/320 والحاكم 3/622.