مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ عَٰلِمَ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ أَنتَ تَحۡكُمُ بَيۡنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (46)

ولما حكى عنهم هذا الأمر العجيب الذي تشهد فطرة العقل بفساده أردفه بأمرين أحدهما : أنه ذكر الدعاء العظيم ، فوصفه أولا بالقدرة التامة وهي قوله : { قل اللهم فاطر السموات والأرض } وثانيا بالعلم الكامل وهو قوله تعالى { عالم الغيب والشهادة } ، وإنما قدم فذكر القدرة على ذكر العلم لأن العلم بكونه تعالى قادرا متقدم على العلم بكونه عالما ، ولما ذكر هذا الدعاء قال : { أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون } يعني أن نفرتهم عن التوحيد وفرحهم عند سماع الشرك أمر معلوم الفساد ببديهة العقل ، ومع ذلك ، القوم قد أصروا عليه ، فلا يقدر أحد على إزالتهم عن هذا الاعتقاد الفاسد والمذهب الباطل إلا أنت . عن أبي سلمة قال : سألت عائشة بم كان يفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته بالليل ؟ قالت " كان يقول اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما أختلف فيه من الحق بإذنك وانك لتهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " .

واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم ذلك المذهب الباطل ذكر في وعيدهم أشياء أولها : أن هؤلاء الكفار لو ملكوا كل ما في الأرض من الأموال وملكوا مثله معه لجعلوا الكل فدية لأنفسهم من ذلك العذاب الشديد وثانيها : قوله تعالى : { وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } أي ظهرت لهم أنواع من العقاب لم تكن في حسابهم ،