ثم حكى - سبحانه - ما جرى لقوم نوح فقال : { وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ الرسل أَغْرَقْنَاهُمْ . . . . } .
والمراد بالرسل : نوح ومن قبله ، أو نوح وحده ، وعبر عنه بالرسل ، لأن تكذيبهم له يعتبر تكذيبا لجميع الرسل ، لأن رسالتهم واحدة فى أصولها .
{ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً } أى : بعد أن أغرقناهم بسبب كفرهم ، جعلنا إغراقهم أو قصتهم عبرة وعظة للناس الذين يعتبرون ويتعظون .
والتعبير ب " آية " بصيغة التنكير ، يشير إى عظم هذه الآية وشهرتها ، ولا شك أن الطوفان الذى أغرق الله - تعالى - به قوم نوح من الآيات التى لا تنسى .
وقوله - سبحانه - : { وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً } بيان لسوء مصير كل ظالم يصنع المور فى غير مواضعها .
أى : وهيأنا وأعددنا للظالمين عذابا أليما موجعا ، بسبب ظلمهم وكفرهم ، وعلى رأس هؤلاء الظالمين قوم نوح ، الذين كفروا به وسخروا منه . . .
وهؤلاء قوم نوح : ( لما كذبوا الرسل أغرقناهم ) . . وهم كذبوا نوحا وحده . ولكن نوحا إنما جاءهم بالعقيدة الواحدة التي أرسل بها الرسل جميعا . فلما كذبوه كانوا قد كذبوا الرسل جميعا . ( وجعلناهم للناس آية )فإن آية الطوفان لا تنسى على الدهر ، وكل من نظر فيها اعتبر إن كان له قلب يتدبر ( وأعتدنا للظالمين عذابا أليما )فهو حاضر لا يحتاج إلى إعداد . و يظهر لفظ الظالمين بدل الضمير لإثبات هذا الوصف لهم وبيان سبب العذاب .
{ وقوم نوح لما كذبوا الرسل } كذبوا نوحا ومن قبله ، أو نوحا وحده ولكن تكذيب واحد من الرسل كتكذيب الكل أو بعثة الرسل مطلقا كالبراهمة . { أغرقناهم } بالطوفان .
{ وجعلناهم } وجعلنا إغراقهم أو قصتهم . { للناس آية } عبرة . { وأعتدنا للظالمين عذابا أليما } يحتمل التعميم والتخصيص ، فيكون وضعا للظاهر موضع المضر تظليما لهم .
ونصب قوله { وقومَ نوح } بفعل مضمر يدل عليه { أغرقناهم }{[8827]} ، وقوله { الرسل } وهم إنما كذبوا نوحاً فقط معناه أن الأمة التي تكذب نبياً واحداً ففي ضمن ذلك تكذيب جميع الأنبياء فجاءت العبارة بما يتضمنه فعلهم تغليظاً في القول عليهم ، وقوله { آية } أي علامة على سطوة الله تعالى بكل كافر بأنبيائه .
عطف على جملة { ولقد آتينا موسى الكتاب } [ الفرقان : 35 ] باعتبار أن المقصود وصف قومه بالتكذيب والإخبار عنهم بالتدمير .
وانتصب { قوم نوح } بفعل محذوف يفسره { أغرقناهم } على طريقة الاشتغال ، ولا يضر الفصل بكلمة { لمّا } لأنها كالظرف ، وجوابها محذوف دل عليه مفسر الفعل المحذوف ، وفي هذا النظم اهتمام بقوم نوح لأن حالهم هو محل العبرة فقدم ذكرهم ثم أُكّد بضميرهم .
ويجوز أن يكون { وقوم نوح } عطفاً على ضمير النصب في قوله { فدمرناهم } [ الفرقان : 36 ] أي ودمرنا قوم نوح ، وتكون جملة { لما كذبوا الرسل أغرقناهم } مبيِّنة لجملة { دمَّرناهم } .
والآية : الدليل ، أي جعلناهم دليلاً على مصير الذين يكذبون رسلهم . وجعلهم آية : هو تواتر خبرهم بالغرق آية .
وجعل قوم نوح مكذِّبين الرسل مع أنهم كذّبوا رسولاً واحداً لأنهم استندوا في تكذيبهم رسولهم إلى إحالة أن يرسل الله بشراً لأنهم قالوا : { ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضّل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين } [ المؤمنون : 24 ] فكان تكذيبهم مستلزماً تكذيب عموم الرسل ، ولأنهم أول من كذَّب رسولهم ، فكانوا قدوة للمكذبين من بعدهم . وقصة قوم نوح تقدمت في سورة الأعراف وسورة هود .
وجملة { وأعتدنا للظالمين عذاباً أليماً } عطف على { أغرقناهم } . والمعنى : عذبناهم في الدنيا بالغرق وأعتدنا لهم عذاباً أليماً في الآخرة . ووقع الإظهار في مقام الإضمار فقيل { للظالمين } عوضاً عن : أعتدنا لهم ، لإفادة أن عذابهم جزاء على ظلمهم بالشرك وتكذيب الرسول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.