نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَقَوۡمَ نُوحٖ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغۡرَقۡنَٰهُمۡ وَجَعَلۡنَٰهُمۡ لِلنَّاسِ ءَايَةٗۖ وَأَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ عَذَابًا أَلِيمٗا} (37)

ولما هدد المكذبين ، بإهلاك الأولين ، الذين كانوا أقوى منهم وأكثر ، وقدم قصة موسى عليه السلام لمناسبة الكتاب في نفسه أولاً ؛ وفي تنجيمه ثانياً ، أتبعه أول الأمم ، لأنهم أول ، ولما في عذابهم من الهول ، ولمناسبة ما بينه وبين عذاب القبط ، فقال : { وقوم } أي ودمرنا قوم { نوح لما كذبوا الرسل } بتكذيبهم نوحاً ؛ لأن من كذب واحداً من الأنبياء بالفعل فقد كذب الكل بالقوة ، لأن المعجزات هي البرهان على صدقهم ، وهي متساوية الأقدام في كونها خوارق ، لا يقدر على معارضتها ، فالتكذيب بشيء منها تكذيب بالجميع لأنه لا فرق ، ولأنهم كذبوا من مضى من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيما سمعوه من أخبارهم ، ولأنهم عللوا تكذيبهم بأنه من البشر فلزمهم تكذيب كل رسول من البشر . ولما كان كأنه قيل : بأيّ شيء دمروا ؟ قال : { أغرقناهم } كما أغرقنا آل فرعون بأعظم مما أغرقناهم { وجعلناهم } أي قوم نوح في ذلك { للناس آية } أي علامة على قدرتنا على ما نريد من إحداث الماء وغيره وإعدامه والتصرف في ذلك بكل ما نشاء ، وإنجاء من نريد بما أهلكنا به عدوه { وأعتدنا } أي هيأنا تهيئة قريبة جداً وأحضرنا على وجه ضخم شديد تام التقدير ؛ وكان الأصل : لهم ، ولكنه أظهر تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف فقال : { للظالمين } أي كلهم في أيّ زمان كانوا ، لأجل ظلمهم بوضعهم الأشياء في غير مواضعها { عذاباً أليماً* } لاسيما في الآخرة .