تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقَوۡمَ نُوحٖ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغۡرَقۡنَٰهُمۡ وَجَعَلۡنَٰهُمۡ لِلنَّاسِ ءَايَةٗۖ وَأَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ عَذَابًا أَلِيمٗا} (37)

[ الآية 37 ] وقوله تعالى : { وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم } جائز أن يكون قوله : { لما كذبوا الرسل } [ أراد به ]{[14434]} نوحا خاصة لأنه ذكر قوم نوح . فإن كان ذلك ففيه دلالة جواز تسمية الواحد باسم الجماعة ، وجائز أن يكون نوح دعاهم إلى الإيمان [ بالله تعالى ]{[14435]} وبجميع الرسل ، فكذبوه ، وكذبوا الرسل جميعا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { أغرقناهم } لم يغرقهم على إثر تكذيبهم إياه ، ولكن إنما أغرقهم بعد ما دعاهم ألف سنة إلا خمسين عاما .

وقوله : { وجعلناهم للناس آية } يحتمل قوله : { وجعلناهم للناس آية } أي آية للمكذبين والمصدقين ] لما بين حكمه : في المكذبين ]{[14436]} منهم الإهلاك والاستئصال ، وفي المصدقين منهم النجاة [ والخلاص . فذلك آية لكل مكذب ومصدق لما إليه تؤول عاقبة أمرهم : عاقبة المكذبين الإهلاك ، وعاقبة المصدقين النجاة ]{[14437]} .

فإن قيل : إنهم جميعا ، قد هلكوا : المصدقون منهم والمكذبون قيل : أهلك المكذبون منهم إهلاك عقوبة وتعذيب [ وهلاك المصدقين ]{[14438]} بانقضاء آجالهم لا هلاك عقوبة .

ثم ذكر { وجعلناهم للناس آية } فمعنى جعل أنفسهم آية ما ذكرنا . وقال آية أخرى { وجعلناها آية للعالمين } [ العنكبوت : 15 ] أي السفينة .

قال بعضهم : جعل السفينة آية لأن من طبع السفن أنها إذا امتدت الأوقات ، وطال الزمان ، تفسد{[14439]} ، وتتلاشى ، وهي بعد باقية كما هي ؛ أعني سفينة نوح . لكن ذلك لا يعلم أنه كما ذكر أو : لا . فالوجه فيه ما ذكرنا .

وقوله تعالى : { وأعتدنا للظالمين عذابا أليما } هكذا جزاء كل ظالم ظلم كفر وشرك أن يعد له العذاب الأليم .


[14434]:- ساقطة من الأصل وم.
[14435]:- ساقطة من الأصل وم.
[14436]:- من م، ساقطة من الأصل.
[14437]:- من م، ساقطة من الأصل.
[14438]:- في الأصل م: والمصدقين.
[14439]:- أدرج قبلها في الأصل وم: أنها.