روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَقَوۡمَ نُوحٖ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغۡرَقۡنَٰهُمۡ وَجَعَلۡنَٰهُمۡ لِلنَّاسِ ءَايَةٗۖ وَأَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ عَذَابًا أَلِيمٗا} (37)

{ وَقَوْمَ نُوح } منصوب بمضمر يدل عليه قوله تعالى : { فدمرناهم } [ الفرقان : 36 ] أي ودمرنا قوم نوح ، وجوز الحوفي وأبو حيان كونه معطوفاً على مفعول { فدمرناهم } . ورد بأن تدمير/ قوم نوح ليس مترتباً على تكذيب فرعون وقومه فلا يصح عطفه عليه . وأجيب بأنه ليس من ضرورة ترتب تدميرهم على ما قبله ترتب تدمير هؤلاء عليه لا سيما وقد بين سببه بقوله تعالى : { لَّمَّا كَذَّبُواْ الرُّسُلَ } أي نوحاً ومن قبله من الرسل عليهم السلام أو نوحاً وحده فإن تكذيبه عليه السلام تكذيب للكل لاتفاقهم على التوحيد أو أنكروا جواز بعثة الرسل مطلقاً ، وتعريف الرسل على الأول عهدي ، ويحتمل أن يكون للاستغراق إذ لم يوجد وقت تكذيبهم غيرهم ، وعلى الثاني استغراقي لكن على طريق المشابهة والادعاء ، وعلى الثالث للجنس أو للاستغراق الحقيقي ، وكأن المجيب أراد أن اعتبار العطف قبل الترتيب فيكون المرتب مجموع المتعاطفين ويكفي فيه ترتب البعض . وقيل : المقصود من العطف التسوية والتنظير كأنه قيل : دمرناهم كقوم نوح فتكون الضمائر لهم . والرسل نوح . وموسى . وهرون عليهم السلام ولا يخفى ما فيه . واختار جمع كون منصوباً باذكر محذوفاً ، وقيل : هو منصوب بمضمر يفسر قوله تعالى : { أغرقناهم } ويرجحه على الرفع تقدم الجمل الفعلية . ولا يخفى أنه إنما يتسنى ذلك على مذهب الفارسي من كون لما ظرف زمان وأما إذا كانت حرف وجود لوجود فلا لأن { أغرقناهم } حينئذ يكون جواباً لها فلا يفسر ناصباً . ولعل أولى الأوجه الأول ، و { أغرقناهم } استئناف مبين لكيفية تدميرهم كأنه قيل : كيف كان تدميرهم ؟ فقيل : أغرقناهم بالوفان { وجعلناهم } أي جعلنا إغراقهم أو قصتهم { لِلنَّاسِ ءايَةً } أي آية عظيمة يعتبر بها من شاهدها أو سمعها وهو مفعول ثان لجعلنا و { لِلنَّاسِ } متعلق به أو متعلق بمحذوف وقع حالاً من { ءايَةً } إذ لو تأخر عنها لكان صفة لها { وَأَعْتَدْنَا للظالمين عَذَاباً أَلِيماً } أي جعلناه معداً لهم في الآخرة أو في البرزخ أو فيهما . والمراد بالظالمين القوم المذكورون ، والإظهار في موقع الإضمار للإيذان بتجاوزهم الحد في الكفر والتكذيب أو جميع الظالمين الذين لم يعتبروا بما جرى عليهم من العذاب فيدخل في زمرتهم قريش دخولاً أولياً . ويحتمل العذاب الدنيوي وغيره .