معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا} (32)

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا} (32)

وبعد أن نهى - سبحانه - عن قتل الأولاد المؤدى إلى إفناء النسل ، أتبع ذلك بالنهى عن فاحشة الزنا المؤدية إلى اختلاط الأنساب : فقال - تعالى - : { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً } والزنا : وطء المرأة بدون عقد شرعي يجيز للرجل وطأها .

والفاحشة : ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال . يقال فحش الشئ ، فحشا ، كقبح قبحا - وزنا ومعنى - ، ويقال أفحش الرجل ، إذا أتى الفحش بضم الفاء وسكون الحاء - ، وهو القبيح من القول أو الفعل . وأكثر ما تكون الفاحشة إطلاقا على الزنا .

وتعليق النهى بقربانها ، للمبالغة فى الزجر عنها ، لأن قربانها قد يؤدى إلى الوقوع فيها ، فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه .

وهذا لون حكيم من ألوان إصلاح النفوس ، لأنه إذا حصل النهى عن القرب من الشئ ، فلأن ينهى عن فعله من باب أولى .

فكأنه - سبحانه - يقول : كونوا - أيها المسلمون بعيدين عن كل المقدمات التى تفضى إلى فاحشة الزنا كمخالطة النساء ، والخلوة بهن ، والنظر إليهن .

. . فإن ذلك يفتح الطريق إلى الوقوع فيها .

قال بعض العلماء : وكثيرا ما يتعلق النهى فى القرآن بالقربان من الشئ ، وضابطه بالاستقراء :

أن كل منهى عنه من شأنه أن تميل النفوس إليه ، وتدفع إليه الأهواء ، جاء النهى فيه عن القربان ، ويكون القصد التحذير من أن يأخذ ذلك الميل فى النفس مكانة تصل بها إلى اقتراف المحرم ، ومن ذلك قوله - تعالى - : { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ . . . } { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى . . . } { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ . . } أما المحرمات التى لم يؤلف ميل النفوس إليها ، ولا اقتضاء الشهوات لها ، فإن الغالب فيها ، أن يتعلق النهى عنها بنفس الفعل لا بالقربان منه .

ومن ذلك قوله - تعالى - : { وَلاَ تقتلوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ . . . }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا} (32)

22

ومن النهي عن قتل الأولاد إلى النهي عن الزنا :

( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) . .

وبين قتل الأولاد والزنا صلة ومناسبة - وقد توسط النهي عن الزنا بين النهي عن قتل الأولاد والنهي عن قتل النفس - لذات الصلة وذات المناسبة .

إن في الزنا قتل من نواحي شتى . إنه قتل ابتداء لأنه إراقة لمادة الحياة في غير موضعها ، يتبعه غالبا الرغبة في التخلص من آثاره بقتل الجنين قبل أن يتخلق أو بعد أن يتخلق ، قبل مولده أو بعد مولده فإذا ترك الجنين للحياة ترك في الغالب لحياة شريرة ، أو حياة مهينة ، فهي حياة مضيعة في المجتمع على نحو من الأنحاء . . وهو قتل في صورة أخرى . قتل للجماعة التي يفشو فيها ، فتضيع الأنساب وتختلط الدماء ، وتذهب الثقة في العرض والولد ، وتتحلل الجماعة وتتفكك روابطها ، فتنتهي إلى ما يشبه الموت بين الجماعات .

وهو قتل للجماعة من جانب آخر ، إذ أن سهولة قضاء الشهوة عن طريقه يجعل الحياة الزوجية نافلة لا ضرورة لها ، ويجعل الأسرة تبعة لا داعي إليها ، والأسرة هي المحضن الصالح للفراخ الناشئة ، لا تصح فطرتها ولا تسلم تربيتها إلا فيه .

وما من أمة فشت فيها الفاحشة إلا صارت إلى انحلال ، منذ التاريخ القديم إلى العصر الحديث . وقد يغر بعضهم أن أوربا وأمريكا تملكان زمام القوة المادية اليوم مع فشو هذه الفاحشة فيهما . ولكن آثار هذا الانحلال في الأمم القديمة منها كفرنسا ظاهرة لا شك فيها . أما في الأمم الفتية كالولايات المتحدة ، فإن فعلها لم تظهر بعد آثاره بسبب حداثة هذا الشعب واتساع موارده كالشاب الذي يسرف في شهواته فلا يظهر أثر الإسراف في بنيته وهو شاب ولكنه سرعان ما يتحطم عندما يدلف إلى الكهولة فلا يقوى على احتمال آثار السن ، كما يقوى عليها المعتدلون من أنداده !

والقرآن يحذر من مجرد مقاربة الزنا . وهي مبالغة في التحرز . لأن الزنا تدفع إليه شهوة عنيفة ، فالتحرز من المقاربة أضمن . فعند المقاربة من أسبابه لا يكون هناك ضمان .

ومن ثم يأخذ الإسلام الطريق على أسبابه الدافعة ، توقيا للوقوع فيه . . يكره الاختلاط في غير ضرورة . ويحرم الخلوة . وينهى عن التبرج بالزينة . ويحض على الزواج لمن استطاع ، ويوصي بالصوم لمن لا يستطيع . ويكره الحواجز التي تمنع من الزواج كالمغالاة في المهور . وينفي الخوف من العيلة والإملاق بسبب الأولاد . ويحض على مساعدة من يبتغون الزواج ليحصنوا أنفسهم . ويوقع أشد العقوبة على الجريمة حين تقع ، وعلى رمي المحصنات الغافلات دون برهان . . إلى آخر وسائل الوقاية والعلاج ، ليحفظ الجماعة الإسلامية من التردي والانحلال .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا} (32)

{ ولا تقربوا الزّنا } بالعزم والاتيان بالمقدمات فضلا عن أن تباشروه . { إنه كان فاحشة } فعلة ظاهرة القبح زائدته . { وساء سبيلا } وبئس طريقا طريقه ، هو الغصب على الابضاع المؤدي إلى قطع الأنساب وهيج الفتن .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا} (32)

وقوله { ولا تقربوا الزنى } تحريم .

و { الزنى } يمد ويقصر فمن قصره الآية ، وهي لغة جميع كتاب الله ، ومن مده قول الفرزدق : [ الطويل ]

أبا حَاضر من يزن يعرف زناؤه . . . ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكّرا{[7546]}

ويروى أبا خالد ، و «الفاحشة » ما يستتر به من المعاصي لقبحه ، و { سبيلا } نصب على التمييز ، التقدير وساء سبيله سبيلاً ، أي لأنه يؤدي إلى النار .


[7546]:البيت في اللسان (سكر)، والرواية فيه: أبا حاضر، والخرطوم: الخمر السريعة الإسكار، وقيل: هو أول ما يجري من العنب قبل أن يداس، وفي "المحكم": وأنشد أبو حنيفة: وكأن ريقتها إذا نبهتها *** بعد الرقاد تعل بالخرطوم والُمَسَّكر: المخمور. والشاهد في البيت أن الزنى جاء ممدودا في قوله: "يعرف زناؤه"، ومثله في ذلك قول النابغة الجعدي: كانت فرضة ما تقول كمـــا *** كان الزناء فريضـــــة الرجــــــم.