غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا} (32)

22

ولما نهى عن قتل الأولاد المستدعي لإفناء النسل ذكر النهي عن الزنا المفضي إلى مثل ذلك ولا أقل من اختلاط النسب فقال : { ولا تقربوا الزنا } وهذا آكد من أن يقال " لا تزنوا " ثم علل النهي بقوله : { إنه كان فاحشة } أي خصلة متزايدة في القبح { وساء سبيلاً } سبيله فاستدل القائلون بالتحسين والتقبيح العقليين بهذا التعليل في الأشياء لا تحسن ولا تقبح لذواتها بل لوجوه عائد إليها في أنفسها ، وأن تكاليف العباد واقعة على وفق مصالحهم في المعاش والمعاد . ومن مفاسد الزنا اختلاط الأنساب وتضييع الأولاد وإهمال تربيتهم ؟ فإن الولد إذا لم يكن منسوباً إلى شخص معين لم يكن أحد بالتزام تربيته أولى من الآخرة كذا المرأة التي ولدته إذا لم يوجد سبب شرعي للزاني صارت هي به أولى بالرجل فلا يحصل الألف والمحبة ، ولا يتم السكون والازدواج . ويتواثب كل رجل على امرأة أراد بحسب شهوته ومقتضى طبعه ، فتهيج بالفسوق الحروب بعد التشبه بالبهائم . وأيضاً ليس المقصود من المرأة مجرد قضاء الشهوة ولكن المقصود الكلي هو أن تكون شريكة له في ترتيب المنزل وإعداد مهماته والقيام بأمور الأولاد والعبيد ، ولن تتم هذه المقاصد إلا إذا كانت مقصورة الهمة على رجل واحد منقطعة الطمع عن غيره . وأيضاً الوطء يوجب الذل والعار ولهذا لا يرتكب إلا في الأماكن المستورة وفي الأوقات المعلومة . فاقتصار المرأة على الواحد من الرجال سعي في تقليل ذلك العمل ، وكفى في قبح الزنا مرتكبه من الرجال والنساء يستقذره كل عقل سليم وينحط بذلك عن درجة الاعتبار . وقد زعم في التفسير الكبير أنه تعالى وصف الزنا في آية أخرى بكونه مقتاً لأن الزانية تصير ممقوتة مكروهة وهو وهم ، لأن ذلك قد ورد في أول سورة النساء في نكاح منكوحات الأب قال :

{ ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً } [ النساء : 22 ] . وإنما نبهناك عليه لئلا يقتدي به غيره في السهو .

/خ40