معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (19)

قوله تعالى :{ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة } يعني : يظهر ، ويذيع الزنا ، { في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة } يعني عبد الله بن أبي وأصحابه المنافقين ، والعذاب في الدنيا الحد ، وفي الآخرة : النار { والله يعلم } كذبهم وبراءة عائشة وما خاضوا فيه من سخط الله . { وأنتم لا تعلمون* }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (19)

ثم يواصل القرآن الكريم توجيهاته الحكيمة للمؤمنين ، فيهدد الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا بالعذاب الأليم ، وينهى المؤمنين عن اتباع خطوات الشيطان ، قال تعالى : { إِنَّ الذين يُحِبُّونَ . . . } .

قال الإمام الرازى : " اعلم أنه - سبحانه - بعد أن بين ما على أهل الإفك ، وما على من سمع منهم ، وما ينبغى أن يتمسك به المؤمنون من آداب ، أتبعه بقوله : { إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة فِي الذين آمَنُواْ . . . } ليعلم أن من أحب ذلك فقد شارك فى هذا الذم ، كما شارك فيه من فعله ومن لم ينكره ، وليعلم أهل الإفك كما أن عليهم العقوبة فيما أظهروه ، فكذلك يستحقون العقوبة بما أسروه ، من محبة إشاعة الفاحشة فى المؤمنين .

ومعنى " تشيع " تنتشر وتكثر ، ومنه قولهم : شاع الحديث . إذا ظهر بين الناس .

والفاحشة : هى الصفة البالغة أقصى دركات القبح ، كالرمى بالزنا وما يشبه ذلك .

وهى صفة لموصوف محذوف . أى : الخصلة الفاحشة ، والمقصود بمحبة شيوعها : محبة شيوع خبرها بين عامة الناس .

والمعنى : إن الذين يحبون أن تنتشر قالة السوء بين صفوف المؤمنين ، وفى شأنهم ، لكى يلحقوا الأذى بهم ، هؤلاء الذين يحبون ذلك " لهم " بسبب نواياهم السيئة " عذاب أليم فى الدنيا " كإقامة الحد عليهم ، وازدراء الأخيار لهم ، ولهم - أيضا - عذاب أليم " فى الآخرة " وهو أشد وأبقى من عذاب الدنيا .

" والله " تعالى وحده " يعلم " ما ظهر وما خفى من الأمور والأحوال " وأنتم " أيها الناس - " لا تعلمون " إلا ما كان ظاهرا منها ، فعاملوا الناس على حسب ظواهرهم ، واتركوا بواطنهم لخالقهم ، فهو - سبحانه - الذى يتولى محاسبتهم عليها .

فالآية الكريمة يؤخذ منها : أن العزم على ارتكاب القبيح ، منكر يعاقب عليه صاحبه ، وأن محبة الفجور وشيوع الفواحش فى صفوف المؤمنين ، ذنب عظيم يؤدى إلى العذاب الأليم فى الدنيا والآخرة ، لأن الله - تعالى - علق الوعيد الشديد فى الدارين على محبة انتشار الفاحشة فى الذين آمنوا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (19)

ثم يمضي في التعقيب على حديث الإفك ؛ وما تخلف عنه من آثار ؛ مكررا التحذير من مثله ، مذكرا بفضل الله ورحمته ، متوعدا من يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات بعذاب الله في الآخرة . ذلك مع تنقية النفوس من آثار المعركة ؛ وإطلاقها من ملابسات الأرض ، وإعادة الصفاء إليها والإشراق . . كما تتمثل في موقف أبي بكر - رضي الله عنه - من قريبه مسطح بن أثاثة الذي خاض في حديث الإفك مع من خاض :

( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) . .

والذين يرمون المحصنات - وبخاصة أولئك الذين تجرأوا على رمي بيت النبوة الكريم - إنما يعملون على زعزعة ثقة الجماعة المؤمنة بالخير والعفة والنظافة ؛ وعلى إزالة التحرج من ارتكاب الفاحشة ، وذلك عن طريق الإيحاء بأن الفاحشة شائعة فيها . . بذلك تشيع الفاحشة في النفوس ، لتشيع بعد ذلك في الواقع .

من أجل هذا وصف الذين يرمون المحصنات بأنهم يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، وتوعدهم بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة .

وذلك جانب من منهج التربية ، وإجراء من إجراءات الوقاية . يقوم على خبرة بالنفس البشرية ، ومعرفة بطريقة تكيف مشاعرها واتجاهاتها . . ومن ثم يعقب بقوله : ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) . . ومن ذا الذي يعلم أمر هذه النفس إلا الذي خلقها ? ومن ذا الذي يدبر أمر هذه الإنسانية إلا الذي برأها ? ومن ذا الذي يرى الظاهر والباطن ، ولا يخفى على علمه شيء إلا العليم الخبير ?

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (19)

{ إن الذين يحبون } يريدون . { أن تشيع } أن تنتشر . { الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة } بالحد والسعير إلى غير ذلك . { والله يعلم } ما في الضمائر . { وأنتم لا تعلمون } فعاقبوا في الدنيا على ما دل عليه الظاهر والله سبحانه يعاقب على ما في القلوب من حب الإشاعة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (19)

قال مجاهد وابن زيد الإشارة بهذه الآية إلى المنافقين عبد الله بن أَبي ومن أشبهه ، وهي خاصة في أمر عائشة رضي الله عنها ع فحبهم شياع{[8642]} { الفاحشة } في المؤمنين متمكن على وجهه لعداوتهم في أهل الإيمان ، و «عذابهم الأليم » { في الدنيا } الحدود ، وفي { الآخرة } النار ، وقالت فرقة وقولها الأظهر الآية عامة في كل قاذف منافقاً كان أو مؤمناً ع فالقاذف المؤمن لا يتصف بحب شياع { الفاحشة } في المؤمنين جملة لكنه يحبها لمقذوفه ، وكذلك آخر لمقذوفه ، وآخر حتى { تشيع الفاحشة } من مجموع فعلهم فهم لها محبون بهذا الوجه من حيث أحب واحد جزءاً من شياعها ، والعذاب الأليم { في الدنيا } الحدود وفي { الآخرة } يحتمل وجهين أحدهما أن يكون القاذف متوعداً من بين العصاة بعذاب الآخرة لا يزيله الحد ، حسب مقتضى حديث عبادة بن الصامت{[8643]} ويكون أمره كأمر المحاربين إذا صلبوا لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب ، والوجه الثاني أن يحكم بأن الحد مسقط عذاب الآخرة حسب حديث عبادة بن الصامت وأن قوله { والآخرة } لا يريد به عموم القذفة بل يريد إما المنافقين وإما من لم يتب ، وقال الطبري معناه إن مات مصراً غير تائب ، وقوله { والله يعلم } معناه البريء من المذنب وسائر الأمور ، وحجة الحكمة في ستركم والتغليظ في الوعيد والعذاب على قاذفيكم .


[8642]:الشياع: الظهور والانتشار، يقال: شاع الأمر شيعا وشياعا وشيعانا وشيوعا وشيعوعة ومشيعا: ظهر وتفرق.
[8643]:حديث عبادة بن الصامت في أن الحدود كفارة لأهلها أخرجه البخاري في الإيمان ومناقب الأنصار والتفسير والحدود والأحكام والتوحيد، وأخرجه مسلم والترمذي في الحدود، والنسائي في البيعة، والدرامي في السير، وأحمد في مسنده (5 ـ 314)، ولفظه كما في مسلم عن عبادة بن الصامت قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال: تبايعوني على ألا تشركوا بالله ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئا من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه).