اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (19)

قوله تعالى : { إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة } الآية .

لمَّا بين ما على الإفك وعلى مَنْ سُمِع مِنْهُ وما ينبغي أن يتمسكوا به من آداب الدين أتبعه بقوله : { إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة } ليعلم أن من أحب ذلك فقد شارك في هذا كما شارك فيه من فعله{[34225]} .

والإشاعة : الانتشار ، يقال : في هذا العقار سهم شائع : إذا كان في الجميع ولم يكن منفصلاً . وشاع الحديث : إذا ظهر في الجميع ولم يكن منفصلاً . وشاع الحديث : إذا ظهر في العامة{[34226]} . والمعنى : { إِنَّ الذين يُحِبُّونَ } أن يظهر ويذيع الزنا { فِي الذين آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدنيا والآخرة } يعني : عبد الله بن أبي وأصحابه المنافقين والعذاب في الدنيا : الحد . وفي الآخرة : النار .

وظاهر الآية يتناول كل من كان بهذه الصفة .

والآية إنما نزلت في قَذَفَةِ عائشة إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب{[34227]} ثم قال : { والله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } وهذا حسن الموقع في هذا الموضع ، لأن محبة القلب كافية ونحن لا نعلمها إلا بالإبانة ، وأما الله - سبحانه - فإنه لا يخفى عليه ، وهذا نهاية في الزجر ، لأن من أحبّ إشاعة الفاحشة وإن بالغ في إخفاء تلك المحبة فهو يعلم أن الله يعلم ذلك منه ، ويعلم قدر الجزاء عليه{[34228]} .

وهذه الآية تدل على أن العزم على الذنب العظيم ذنب ، وأن إرادة الفسق فسق ، لأنه تعالى علق الوعيد بمحبّة إشاعة الفاحشة .

فصل

قالت المعتزلة : إن الله بالغ في ذم من أحب إشاعة الفاحشة ، فلو كان تعالى هو الخالق لأفعال العباد لما كان مشيع الفاحشة إلا هو ، فكان يجب ألا يستحق الذم على إشاعة الفاحشة إلا هو ، لأنه هو الذي فعل تلك الإشاعة ، وغيره لم يفعل شيئاً ، وتقدم الكلام على ( نظيره {[34229]} ) {[34230]} .


[34225]:انظر الفخر الرازي 23/183.
[34226]:المرجع السابق.
[34227]:انظر الفخر الرازي 23/183.
[34228]:المرجع السابق.
[34229]:انظر الفخر الرازي 23/185.
[34230]:ما بين القوسين في ب: ونظيره.