معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوۡمًا عَبُوسٗا قَمۡطَرِيرٗا} (10)

{ إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً } تعبس فيه الوجوه من هوله وشدته ، نسب العبوس إلى اليوم ، كما يقال : يوم صائم وليل قائم . وقيل : وصف اليوم بالعبوس لما فيه من الشدة ، { قمطريراً } قال قتادة ، ومجاهد ، ومقاتل : القمطرير : الذي يقبض الوجوه والجباه بالتعبيس . قال الكلبي : العبوس الذي لا انبساط فيه ، والقمطرير : الشديد ، قال الأخفش : القمطرير : أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء ، يقال : يوم قمطرير وقماطر ، إذا كان شديداً كريهاً ، واقمطر اليوم فهو مقمطر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوۡمًا عَبُوسٗا قَمۡطَرِيرٗا} (10)

ثم أضافوا إلى ذلك قولهم : { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } .

والعبوس : صفة مشبهة لمن هو شديد العبس ، أى كلوح الوجه وانقباضه .

والقمطرير : الشديد الصعب من كل شئ يقال : اقْمَطَرَّ يومُنا . إذا اشتدت مصائبه

ووصف اليوم بهذين الوصفين على سبيل المجاز فى الإِسناد ، والمقصود وصف أهله بذلك ، فهو من باب : فلان نهاره صائم .

أى : ويقولون لهم - أيضا - عند تقديم الطعام لهم : إنا نخاف من ربنا يوما ، تعبس فيه الوجوه ، من شدة هوله ، وعظم أمره ، وطول بلائه .

أى : أنهم لم يقدموا الطعام - مع حبهم له - رياء ومفاخرة ، وإنما قدموه ابتغاء وجه الله ، وخوفا من عذابه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوۡمًا عَبُوسٗا قَمۡطَرِيرٗا} (10)

( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا . إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ) . .

فهي الرحمة الفائضة من القلوب الرقيقة الرفيقة ، تتجه إلى الله تطلب رضاه . ولا تبتغي بها جزاء من الخلق ولا شكرا ، ولا تقصد بها استعلاء على المحتاجين ولا خيلاء . كما تتقي بها يوما عبوسا شديد العبوس ، تتوقعه وتخشاه ، وتتقيه بهذا الوقاء . وقد دلهم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] عليه وهو يقول : " اتق النار ولو بشق تمرة " . .

وقد كان إطعام الطعام هكذا مباشرة هو وسيلة التعبير عن هذه العاطفة النبيلة الكريمة ، ووسيلة الإشباع لحاجات المحاويج . ولكن صور الإحسان ووسائله قد تتغير بحسب البيئات والظروف ، فلا تظل في هذه الصورة البدائية المباشرة . إلا أن الذي يجب الاحتفاظ به هو حساسية القلوب ، وحيوية العاطفة ، والرغبة في الخير ابتغاء وجه الله ، والتجرد عن البواعث الأرضية من جزاء أو شكر أو نفع من منافع الحياة !

ولقد تنظم الضرائب ، وتفرض التكاليف ، وتخصص للضمان الاجتماعي ، ولإسعاف المحاويج ، ولكن هذا إنما يفي بشطر واحد من مزايا الاتجاه الإسلامي الذي ترمز إليه تلك الآيات ، والذي توخاه بفريضة الزكاة . . هذا الشطر هو كفاية حاجة المحتاجين . . هذا شطر . . والشطر الآخر هو تهذيب أرواح الباذلين ، ورفعها إلى ذلك المستوى الكريم . وهو شطر لا يجوز إغفاله ولا التهوين من شأنه فضلا على أن تنقلب المعايير فيوصم ويقبح ويشوه ، ويقال : إنه إذلال للآخذين وإفساد للواهبين .

إن الإسلام عقيدة قلوب ، ومنهج تربية لهذه القلوب . والعاطفة الكريمة تهذب صاحبها وتنفع من يوجهها إليه من إخوانه . فتفي بشطري التربية التي يقصد إليها هذا الدين .

ومن ثم كان ذلك التصوير الكريم لذلك الشعور الكريم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوۡمًا عَبُوسٗا قَمۡطَرِيرٗا} (10)

{ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا } أي : إنما نفعل هذا لعل الله أن يرحمنا ويتلقانا بلطفه ، في اليوم العبوس القمطرير .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس { عَبُوسًا } ضيقا ، { قَمْطَرِيرًا } طويلا .

وقال عكرمة وغيره ، عنه ، في قوله : { يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا } أي : يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عَرَق مثل القَطرَان .

وقال مجاهد : { عَبُوسًا } العابس الشفتين ، { قَمْطَرِيرًا } قال : تقبيض الوَجه بالبُسُور .

وقال سعيد بن جبير ، وقتادة : تعبس فيه الوجوه من الهول ، { قَمْطَرِيرًا } تقليص الجبين وما بين العينين ، من الهول .

وقال ابن زيد : العبوس : الشر . والقمطرير : الشديد .

وأوضح العبارات وأجلاها وأحلاها ، وأعلاها وأولاها - قولُ ابن عباس ، رضي الله عنه .

قال ابن جرير : والقمطرير هو : الشديد ؛ يقال : هو يوم قمطرير ويوم قُماطِر ، ويوم عَصِيب وعَصَبْصَب ، وقد اقمطرّ اليومُ يقمطرّ اقمطرارا ، وذلك أشد الأيام وأطولها في البلاء والشدة ، ومنه قول بعضهم :

بنَي عَمّنا ، هل تَذكُرونَ بَلاءنَا? *** عَلَيكم إذَا ما كانَ يومٌ قُمَاطرُ{[29596]}


[29596]:- (2) البيت في تفسير الطبري (29/131) غير منسوب.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوۡمًا عَبُوسٗا قَمۡطَرِيرٗا} (10)

ووصف اليوم بعبوس هو على التجوز ، كما تقول ليل نائم أي فيه نوم ، و «القمطرير » والقماطر : هو في معنى العبوس والارتداد ، تقول اقمطر الرجل إذا جمع ما بين عينيه غضباً ، ومنه قول الشاعر [ القرطبي ] : [ الطويل ]

بني عمنا هل تذكرون بلاءنا*** عليكم إذا ما كان يوم قماطر{[11513]}

وقال آخرون :

ففروا إذا ما الحرب ثار غبارها*** ولج بها اليوم العبوس القماطر{[11514]}

وقال ابن عباس : يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من بين عينيه مثل القطران . وعبر ابن عباس عن «القمطرير » بالطويل . وعبر عنه ابن الكلبي بالشديد ، وذلك كله قريب في المعنى .


[11513]:هذا البيت ذكره الفراء شاهدا على أن "القماطر" هو الشديد، وعنه ذكره المفسرون ، كالطبري، والقرطبي، وابن كثير، والشوكاني، وهو أيضا في اللسان، ولم ينسبه أحد إلى قائل معين، ويروى: "هل تدركون" بدلا من "هل تذكرون"، والبلاء: الاجتهاد وحسن الصنيع في الحرب، واليوم القماطر والمقمطر والقمطرير هو الذي يقبض ما بين العينين لشدته، هكذا قال في اللسان.
[11514]:هذا البيت في القرطبي وفتح القدير، والبحر المحيط، , "ثار غبار الحرب" كناية عن اشتداد المعركة واحتدام القتال، ولج في الأمر: تمادى عليه وأبى أن ينصرف عنه، والبيت كسابقه في الاستشهاد، ونسبة العبوس إلى اليوم تجوز، ومثل هذين البيتين قول حذيفة بن أنس الهذلي: بنو الحرب أرضعنا بها مقمطرة ومن يلق منا يلق سيد مدرب والسيد المدرب هو الأسد الضاري.