اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوۡمًا عَبُوسٗا قَمۡطَرِيرٗا} (10)

قوله : { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا } يحتمل وجهين :

أحدهما : إن إحساننا إليكم للخوف من شدة ذلك اليوم لإرادة مكافأتهم .

والثاني : لا نريد منكم المكافأة لخوف عقاب الله تعالى علَّل ترك المكافأة بخوف عقاب الله على طلب المكافأة بالصدقة .

فإن قيل : إنه - تعالى - لما حكى عنهم الإيفاء بالنذر ، علَّل ذلك بخوف القيامة فقط ، ولما حكى عنهم الإطعام علل ذلك بأمرين : بطلب رضا الله تعالى ، وبالخوف ، فما الحكمة في ذلك ؟ .

فالجواب : أن النذر هو الذي أوجبه على نفسه لأجل الله ، فلما كان كذلك ، لا جرم علله بخوف القيامة فقط ، وإما الإطعام فالله - تعالى - هو الذي شرعه ، فلا جرم ضم إليه خوف القيامة .

قوله : { يَوْمَاً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } . القَمْطَرِيرُ : الشديد ، وأصله كما قال الزجاج : «مشتق من اقمطرّت الناقة إذا رفعت ذنبها ، وجمعت قطريها وزمت بأنفها » .

قال الزمخشري : اشتقاقه من القطر ، وجعلت الميم زائدة{[58876]} ؛ قال أسد بن ناعصة : [ الخفيف ]

5035- واصْطَليْتَ الحُروبَ فِي كُلِّ يومٍ*** بَاسلَ الشَّرِّ قَمْطَريرَ الصَّباحِ{[58877]}

قال أبو حيان : واختلف النحاة في هذا الوزن ، والأكثر على أنه لا يثبت «افْمَعَلَّ » في أوزان الأفعال ويقال : اقمطرَّ يقمطرُّ فهو مقمطرّ ؛ قال الشاعر : [ الرجز ]

5036- قَدْ جَعلَتْ شَبْوَةُ تَزبَئِرُّ *** تَكْسُو استهَا لَحْماً وتقْمَطِرُّ{[58878]}

ويوم قَمْطَرير وقُمَاطر : بمعنى شديد ؛ قال الشَّاعرُ : [ الطويل ]

5037- فَفِرُّوا إذَا مَا الحَرْبُ ثَار غُبَارُهَا *** ولَجَّ بِها اليَوْمَ العَبُوسُ القُمَاطِرُ{[58879]}

وقال الزجاج : القَمْطَرير : الذي يعبسُ حتى يجتمع ما بين عينيه . انتهى .

فعلى هذا استعماله في اليوم مجاز ، وفي بعض كلام الزمخشري ، أنه جعله من «القمط » فعلى هذا تكون الرَّاءان فيه مزيدتين .

وقال القرطبي{[58880]} : «القمطرير : الطَّويل » ؛ قال الشاعر :

5038- *** شَدِيداً عَبُوساً قَمْطَريراً ***

تقول العرب : يوم قمطرير ، وقُماطر ، وعصيب بمعنى ؛ وأنشد الفراء : [ الطويل ]

5039- بَنِي عَمَِّنَا هل تَذْكُرونَ بَلاءنَا *** عَليْكُمْ إذا مَا كَانَ يومٌ قُماطِرُ{[58881]}

بضم القاف ، واقمطرّ : إذا اشتد ، وقال الأخفش : القمطرير : أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء ؛ وأنشد : [ الطويل ]

5040- *** فَفِرُّوا إذَا ما الحَرْبُ ***

البيت المتقدم{[58882]} .

وقال الكسائي : يقال : اقمطرَّ اليوم وازمهرَّ اقمطراراً وازمهراراً ، وهو القمطريرُ والزمهريرُ ، ويوم مقمطرٌّ ، إذا كان صعباً شديداً ؛ قال الهذليُّ : [ الطويل ]

5041- بَنُو الحَرْبِ ارضْعنَا لَهُم مُقمطرَّةً *** ومَنْ يُلقَ مِنَّا ذلِكَ اليَوْمَ يهْربِ{[58883]}

و«العبوس » أيضاً صفة ل «اليوم » ، «يوماً » تعبس فيه الوجوه من هوله وشدته ، والمعنى : نخاف يوماً ذا عبوس .

وقال ابن عباس : يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل منه عرقٌ كالقطران .

وقال مجاهد : إن العبوس بالشَّفتين ، والقَمْطرير بالجبهةِ والحاجبينِ فجعلهما من صفات الوجه المتغيّر من شدائد ذلك اليوم{[58884]} .


[58876]:في أ: فريدة.
[58877]:ينظر الكشاف 4/669، والقرطبي 19/90، والبحر 8/384، والدر المصون 6/442.
[58878]:ينظر اللسان (قطمر)، والبحر 8/354، والدر المصون 6/442.
[58879]:ينظر اللسان (لجج) و(قمطر)، والقرطبي 19/88، والبحر 8/384، والدر المصون 6/442.
[58880]:الجامع لأحكام القرآن 19/88.
[58881]:ينظر معاني القرآن للفراء 3/216، وإعراب القرآن 5/99، والطبري 29/131، ومجمع البيان 10/611، والقرطبي 19/88، واللسان (قمطر).
[58882]:تقدم.
[58883]:البيت كما في ديوان الهذليين: بَنُو الحَرْبِ ارضْعنَا لَهُم مُقمطرَّةً *** ومَنْ يُلقَ مِنَّا يلق سيد يهرب ينظر ديوان الهذليين 3/25، والقرطبي 19/88.
[58884]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/485) وعزاه إلى عبد بن حميد.