قوله : { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا } يحتمل وجهين :
أحدهما : إن إحساننا إليكم للخوف من شدة ذلك اليوم لإرادة مكافأتهم .
والثاني : لا نريد منكم المكافأة لخوف عقاب الله تعالى علَّل ترك المكافأة بخوف عقاب الله على طلب المكافأة بالصدقة .
فإن قيل : إنه - تعالى - لما حكى عنهم الإيفاء بالنذر ، علَّل ذلك بخوف القيامة فقط ، ولما حكى عنهم الإطعام علل ذلك بأمرين : بطلب رضا الله تعالى ، وبالخوف ، فما الحكمة في ذلك ؟ .
فالجواب : أن النذر هو الذي أوجبه على نفسه لأجل الله ، فلما كان كذلك ، لا جرم علله بخوف القيامة فقط ، وإما الإطعام فالله - تعالى - هو الذي شرعه ، فلا جرم ضم إليه خوف القيامة .
قوله : { يَوْمَاً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } . القَمْطَرِيرُ : الشديد ، وأصله كما قال الزجاج : «مشتق من اقمطرّت الناقة إذا رفعت ذنبها ، وجمعت قطريها وزمت بأنفها » .
قال الزمخشري : اشتقاقه من القطر ، وجعلت الميم زائدة{[58876]} ؛ قال أسد بن ناعصة : [ الخفيف ]
5035- واصْطَليْتَ الحُروبَ فِي كُلِّ يومٍ*** بَاسلَ الشَّرِّ قَمْطَريرَ الصَّباحِ{[58877]}
قال أبو حيان : واختلف النحاة في هذا الوزن ، والأكثر على أنه لا يثبت «افْمَعَلَّ » في أوزان الأفعال ويقال : اقمطرَّ يقمطرُّ فهو مقمطرّ ؛ قال الشاعر : [ الرجز ]
5036- قَدْ جَعلَتْ شَبْوَةُ تَزبَئِرُّ *** تَكْسُو استهَا لَحْماً وتقْمَطِرُّ{[58878]}
ويوم قَمْطَرير وقُمَاطر : بمعنى شديد ؛ قال الشَّاعرُ : [ الطويل ]
5037- فَفِرُّوا إذَا مَا الحَرْبُ ثَار غُبَارُهَا *** ولَجَّ بِها اليَوْمَ العَبُوسُ القُمَاطِرُ{[58879]}
وقال الزجاج : القَمْطَرير : الذي يعبسُ حتى يجتمع ما بين عينيه . انتهى .
فعلى هذا استعماله في اليوم مجاز ، وفي بعض كلام الزمخشري ، أنه جعله من «القمط » فعلى هذا تكون الرَّاءان فيه مزيدتين .
وقال القرطبي{[58880]} : «القمطرير : الطَّويل » ؛ قال الشاعر :
5038- *** شَدِيداً عَبُوساً قَمْطَريراً ***
تقول العرب : يوم قمطرير ، وقُماطر ، وعصيب بمعنى ؛ وأنشد الفراء : [ الطويل ]
5039- بَنِي عَمَِّنَا هل تَذْكُرونَ بَلاءنَا *** عَليْكُمْ إذا مَا كَانَ يومٌ قُماطِرُ{[58881]}
بضم القاف ، واقمطرّ : إذا اشتد ، وقال الأخفش : القمطرير : أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء ؛ وأنشد : [ الطويل ]
5040- *** فَفِرُّوا إذَا ما الحَرْبُ ***
البيت المتقدم{[58882]} .
وقال الكسائي : يقال : اقمطرَّ اليوم وازمهرَّ اقمطراراً وازمهراراً ، وهو القمطريرُ والزمهريرُ ، ويوم مقمطرٌّ ، إذا كان صعباً شديداً ؛ قال الهذليُّ : [ الطويل ]
5041- بَنُو الحَرْبِ ارضْعنَا لَهُم مُقمطرَّةً *** ومَنْ يُلقَ مِنَّا ذلِكَ اليَوْمَ يهْربِ{[58883]}
و«العبوس » أيضاً صفة ل «اليوم » ، «يوماً » تعبس فيه الوجوه من هوله وشدته ، والمعنى : نخاف يوماً ذا عبوس .
وقال ابن عباس : يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل منه عرقٌ كالقطران .
وقال مجاهد : إن العبوس بالشَّفتين ، والقَمْطرير بالجبهةِ والحاجبينِ فجعلهما من صفات الوجه المتغيّر من شدائد ذلك اليوم{[58884]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.