روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوۡمًا عَبُوسٗا قَمۡطَرِيرٗا} (10)

{ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبّنَا يَوْماً } أي عذاب يوم فهو على تقدير مضاف أو إن خوفه كناية عن خوف ما فيه { عَبُوساً } تعبس فيه الوجوه على أنه من الإسناد المجازي كما في نهاره صائم فقد روى عن ابن عباس أن الكافر يعبس يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران أو يشبه الأسد العبوس على أنه من الاستعارة المكنية التخييلية لكن لا يخفي أن العبوس ليس من لوازم الأسد وإنما اشتهر وصفه به ففي التخييلية ضعف ما وقيل أنه من التشبيه البليغ { قَمْطَرِيراً } شديد العبوس ويقال شديداً صعباً كأنه التف شره بعضه ببعض وقيل طويلاً وهو رواية عن ابن عباس وجاء قماطر وأنشدوا لأسد بن ناغصة

: واصطليت الحروب في كل يوم *** باسل الشر قمطرير الصباح

وقول آخر

: بني عمنا هل تذكرون بلائنا *** عليكم إذا ما كان يوم قماطر

وإلى الأول ذهب الزجاج فقال القمطرير الذي يعبس حتى يجتمع ما بين عينيه ويقال اقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها وزمت بأنفها وجمعت قطريها أي جانبيها كأنها تفعل ذلك إذا لحقت كبراً وقيل لتضع حملها فاشتقاقه عنده على ما قيل من قطر بالاشتقاق الكبير والميم زائدة وهذا لا يلزم الزجاج فيجوز أن يكون مشتقاً كذلك من القمط ويقال قمطه إذا شده وجمع أطرافه وفي «البحر » يقال اقمطر فهو مقمطر و { *قمطرير } وقماطر إذا صعب واشتد واختلف في هذا الوزن وأكثر النحاة لا يثبتون أفمعل في أوزان الأفعال وهذه الجملة جوز أن تكون علة لإحسانهم وفعلهم المذكور كأنه قيل نفعل بكم ما نفعل لأنا نخاف يوماً صفته كيت وكيت فنحن نرجو بذلك أن يقينا ربنا جل وعلا شره وأن تكون علة لعدم إرادة الجزاء والشكور أي إنا لا نريد منكم المكافأة لخوف عقاب الله تعالى على طلب المكافأة بالصدقة وإلى الوجهين أشار في «الكشاف » وقال في الكشف الثاني أوجه ليبقى قوله { لوجه الله } [ الإنسان : 9 ] خالصاً غير مشوب بحظ النفس من جلب نفع أو دفع ضر ولو جعل علة للإطعام المعلل على معنى إنما خصصنا الإحسان لوجهه تعالى لأنا نخاف يوم جزائه ومن خافه لازم الإخلاص لكان وجهاً .