ثم بين - سبحانه - ما حدث لهؤلاء الفتية بعد أن لجأوا إلى الكهف ، وبعد أن دعوا الله بهذا الدعاء الشامل لكل خير . فقال : { فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ فِي الكهف سِنِينَ عَدَداً } .
وأصل الضرب فى كلام العرب يرجع إلى معنى التقاء ظاهر جسم ، بظاهر جسم آخر بشدة .
يقال : ضرب فلان بيده الأرض إذا ألصقها بها بشدة ، وتفرعت عن هذا المعنى معان أخرى ترجع إلى شدة اللصوق .
والمراد بالضرب هنا النوم الطويل الذى غشاهم الله - تعالى - به فصاروا لا يحسون شيئا مما حولهم ، ومفعول ضربنا محذوف .
والمعنى : بعد أن استقر هؤلاء الفتية فى الكهف ، وتضرعوا إلينا بهذا الدعاء العظيم ، ضربنا على آذانهم وهم فى الكهف حجابا ثقيلا مانعا من السماع ، فصاروا لا يسمعون شيئا يوقظهم ، واستمروا فى نومهم العميق هذا { سنين } ذات عدد كثير ، بينها - سبحانه - بعد ذلك فى قوله : { وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وازدادوا تِسْعاً } .
وخص - سبحانه - الآذان بالضرب ، مع أن مشاعرهم كلها كانت محجوبة عن اليقظة ، لأن الآذان هى الطريق الأول للتيقظ . ولأنه لا يثقل النوم إلا عندما تتعطل وظيفة السمع .
" وقد ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم عندما علم أن رجلا لا يستيقظ مبكرا أن قال فى شأنه : " ذلك رجل قد بال الشيطان فى أذنه " " أى : فمنعها من التبكير واليقظة قبل طلوع الشمس .
والتعبير بالضرب - كما سبق أن أشرنا - للدلالة على قوة المباشرة ، وشدة اللصوق واللزوم ، ومنه قوله تعالى - { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة والمسكنة } أى : التصقتا بهم التصاقا لا فكاك لهم منه ، ولا مهرب لهم عنه .
وقوله { فضربنا على آذانهم } الآية عبارة عن إلقاء الله تعالى النوم عليهم ، ويعبر عن هذا ونحوه ب «الضرب » لتبين قوة المباشرة وشدة اللصوق في الأمر المتكلم فيه والإلزام ، ومنه ضرب الذلة والمسكنة ، ومنه ضرب الجزية ، ومنه ضرب البعث .
ضربت عليك العنكبوت بنسجها . . . وقضى عليك به الكتاب المنزل{[3]}
فهذا يستعمل في اللزوم البليغ ، وأما تخصيص «الآذان » بالذكر فلأنها الجارحة التي منها عظم فساد النوم ، وقلَّما ينقطع نوم نائم إلا من جهة أذنه ، ولا يستحكم نوم إلا مع تعطل السمع ، ومن ذكر الأذن في النوم قوله صلى الله عليه وسلم «ذلك رجل بال الشيطان في أذنه »{[4]} أشار عليه السلام إلى رجل طويل النوم لا يقوم بالليل ، وقوله «عدداً » نعت للسنين ، والقصد به العبارة عن التكثير ، أي تحتاج إلى عدد وهي ذات عدد ، قال الزجاج : ويجوز أن يكون نصب { عدداً } على المصدر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.