ثم أنكر - سبحانه - على أولئك الجاهلين اتخاذهم آلهة من دونه فقال : { أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فالله هُوَ الولي وَهُوَ يُحْيِي الموتى وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
فأم بمعنى بل وهمزة الاستفهام الإِنكارى ، لإِنكار وقوع الشرك منهم ونفيه بأبلغ وجه .
أى : أن ما فعله هؤلاء المشركون من اتخاذهم آلهة من دونه - تعالى - شئ منكر بلغ النهاية فى قبحه وفساده .
قال صاحب الكشاف : " معن الهمزة فى { أَمِ } الإِنكار وقوله : { فالله هُوَ الولي } أى : هو الذى يجب أن يتولى وحده ، ويعتقد أنه المولى والسيد ، فالفاء فى قوله { فالله هُوَ الولي } جواب شرط مقدر ، كأنه قيل بعد إنكارى كل ولى سواه . أى : إن أرادوا وليا بحق ، فالله هو الولى بالحق ، لا ولى سواه .
{ وَهُوَ يُحْيِي } الموتى أى : وهو - سبحانه - الذى فى قدرته إعادة الحياة الى الموتى بعد موتهم .
{ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أى : وهو - تعالى - وحده الذى لا يعجز قدرته شئ ، وما دام الأمر كذلك ، فكيف اتخذ أولئك الجاهلون أولياء من دونه .
أَمِ اتّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فَاللّهُ هُوَ الْوَلِيّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَىَ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللّهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبّي عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
يقول تعالى ذكره : أم اتخذ هؤلاء المشركون بالله أولياء من دون الله يتولونهم فاللّهُ هُوَ الوَلِيّ يقول : فالله هو وليّ أوليائه ، وإياه فليتخذوا ولياً لا الاَلهة والأوثان ، ولا ما لا يملك لهمّ ضرّاً ولا نفعاً ، وَهُوَ يُحْي المَوْتَى يقول : والله يحيى الموتى من بعد مماتهم ، فيحشرهم يوم القيامة وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يقول : والله القادر على إحياء خلقه من بعد مماتهم وعلى غير ذلك ، إنه ذو قدرة على كلّ شيء .
{ أمْ } للإضراب الانتقالي كما يقال : دَع الاهتمامَ بشأنهم وإنذارَهم ولنعُدْ إلى فظاعة حالهم في اتخاذهم من دون الله أولياء . وتُقَدَّر بعد { أمْ } همزة استفهام إنكاري . فالمعنى : بل أأتخذوا من دونه أولياء ، أي أتوا منكراً لَمَّا اتخذوا من دونه أولياء . فضمير { اتخذوا } عائد إلى { الذين اتخذوا من دونه أولياء } [ الشورى : 6 ] في الجملة السابقة .
والفاء في قوله : { فالله هو الولي } فاء جواببٍ لشرط مقدر دلّ عليه مقام إنكار اتخاذِهم أولياء من دون الله ، لأن إنكار ذلك يقتضي أن أولياءهم ليست جديرة بالوَلاية ، وأنهم ضلّوا في ولايتهم إياها ، فنشأ تقدير شرط معناه : إنْ أرادوا وَليًّا بحقَ فالله هوَ الوليّ .
قال السكاكي في « المفتاح » : وتقديرُ الشرط لقرائننِ الأحوال غيرُ ممتنع قال تعالى : { فَلَمْ تقتلوهم ولكنّ الله قتلَهم } [ الأنفال : 17 ] على تقدير إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم ، وقال { فالله هو الولي } على تقدير : إن أرادوا وليًّا بحق فالله هو الوليّ بالحق لا وليّ سواه .
والمراد بالوِلاية في قوْله { أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي } ، وِلايةُ المعبودية ، فأفاد تعريفُ المسند في قوله : { فالله هو الولي } قصرَ جنس الولي بهذا الوصف على الله ، وإذ قد عبدوا غير الله تعيّن أن المراد قصرُ الوِلاية الحَقّ عليه تعالى .
وأفاد ضمير الفصل في قوله : { فالله هو الولي } تأكيدَ القصر وتحقيقَه وأنه لا مبالغة فيه تذكيراً بأن الولاية الحقَّ في هذا الشأن مختصة بالله تعالى . وهذا كلّه مسوق إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين تسلية وتثبيتاً وتعريضاً بالمشركين فإنهم لا يَخلُون من أن يسمعوه .
وعطفُ { وهو يحيي الموتى } على جملة { فالله هو الولي } إدماج لإعادة إثبات البعث ترسِيخاً لعلم المسلمين وإبلاغاً لمسامع المنكرين لأنّهم أنكروا ذلك في ضمن اتخاذهم أولياء من دون الله ، فلمّا أُبطل معتقدهم إلهية غير الله أُردف بإبطال ما هو من علائق شركهم وهو نفي البعث ، وليس ذلك استدلالاً عليهم لإبطال إلهاية آلهتهم لأن وقوع البعث مجحود عندهم . فأما عطف جملة { وهو على كل شيء قدير } فهو لإثبات هذه الصفة لله تعالى تذكيراً بانفراده بتمام القدرة ، ويفيد الاستدلال على إمكان البعث قال تعالى : { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } [ الروم : 27 ] ، ويفيد الاستدلالَ على نفي الإلهاية عن أصنامهم لأن من لا يَقْدر على كل شيء لا يصلح للإلهاية : قال تعالى : { أفَمَنْ يخلُق كمَن لا يخلق } [ النحل : 17 ] وقال : { لا يخلقون شيئاً وهم يُخْلَقون } [ النحل : 20 ] وقال { وإنْ يسلِبْهم الذُّبابُ شيئاً لا يستنقذوه منه } [ الحج : 73 ] . والغرض من هذا تعريض بإبلاغه إلى مسامع المشركين .
ولما كان المقصود إثباتَ القدرة لله تعالى عطفت الجملة على التي قبلها لأنها مثلُها في إفادة الحكم ، وكانت إفادة التعليل بها حاصلة من مَوقعها عقبَها ، ولو أريد التعليل ابتداءً لفُصلت الجملة ولم تعطف .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
أم اتخذ هؤلاء المشركون بالله أولياء من دون الله يتولونهم.
"فاللّهُ هُوَ الوَلِيّ": فالله هو وليّ أوليائه، وإياه فليتخذوا ولياً لا الآلهة والأوثان، ولا ما لا يملك لهمّ ضرّاً ولا نفعاً.
"وَهُوَ يُحْي المَوْتَى": والله يحيى الموتى من بعد مماتهم، فيحشرهم يوم القيامة.
"وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ": والله القادر على إحياء خلقه من بعد مماتهم وعلى غير ذلك، إنه ذو قدرة على كلّ شيء...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم أثبت الحكم بأنه عز وجل هو الولي الذي تنفع ولايته، وأنه هو الذي يحيي الموتى ويحشرهم إلى الآخرة ويبعثهم من قبورهم، وأن قدرته على كل شيء تعطي هذا وتقتضيه.
الفاء في قوله {فالله هو الولي} جواب شرط مقدر، كأنه قال: إن أرادوا أولياء بحق فالله هو الولي بالحق لا ولي سواه.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
{أم اتخذوا من دونه أولياء} أم بمعنى بل، للانتقال من كلام إلى كلام، والهمزة للإنكار عليهم اتخاذ أولياء من دون الله.
وقيل: أم بمعنى الهمزة فقط، حيث جاءت أم المنقطعة، والمعنى: اتخذوا أولياء دون الله، وليسوا بأولياء حقيقة، فالله هو الولي، والذي يجب أن يتولى وحده، لا ما لا يضر ولا ينفع من أوليائهم.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمراد بالوِلاية في قوْله {أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي}، وِلايةُ المعبودية، فأفاد تعريفُ المسند في قوله: {فالله هو الولي} قصرَ جنس الولي بهذا الوصف على الله، وإذ قد عبدوا غير الله تعيّن أن المراد قصرُ الوِلاية الحَقّ عليه تعالى.
وأفاد ضمير الفصل في قوله: {فالله هو الولي} تأكيدَ القصر وتحقيقَه وأنه لا مبالغة فيه تذكيراً بأن الولاية الحقَّ في هذا الشأن مختصة بالله تعالى. وهذا كلّه مسوق إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين تسلية وتثبيتاً وتعريضاً بالمشركين فإنهم لا يَخلُون من أن يسمعوه.
وعطفُ {وهو يحيي الموتى} على جملة {فالله هو الولي} إدماج لإعادة إثبات البعث ترسِيخاً لعلم المسلمين وإبلاغاً لمسامع المنكرين لأنّهم أنكروا ذلك في ضمن اتخاذهم أولياء من دون الله، فلمّا أُبطل معتقدهم إلهية غير الله أُردف بإبطال ما هو من علائق شركهم وهو نفي البعث، وليس ذلك استدلالاً عليهم لإبطال إلهية آلهتهم لأن وقوع البعث مجحود عندهم. فأما عطف جملة {وهو على كل شيء قدير} فهو لإثبات هذه الصفة لله تعالى تذكيراً بانفراده بتمام القدرة، ويفيد الاستدلال على إمكان البعث قال تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} [الروم: 27] والغرض من هذا تعريض بإبلاغه إلى مسامع المشركين.
ولما كان المقصود إثباتَ القدرة لله تعالى عطفت الجملة على التي قبلها لأنها مثلُها في إفادة الحكم وكانت إفادة التعليل بها حاصلة من مَوقعها عقبَها، ولو أريد التعليل ابتداءً لفُصلت الجملة ولم تعطف.