ثم ذكر - سبحانه - آية رابعة فقال : { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم } أى : نومكم { بالليل والنهار } لراحة أبدانكم وأذهانكم ، { وابتغآؤكم مِّن فَضْلِهِ } أى : وطلبكم أرزاقكم فيهما من فضل الله وعطائه الواسع .
قال الجمل : قيل فى الآية تقديم وتأخير ، ليكون كل واحد مع ما يلائمه ، والتقدير : ومن آياته مناكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار ، فحذف حرف الجر لاتصاله بالليل ، وعطف عليه ، لأن حرف العطف قد يقوم مقام الجار ، والأحسن أن يجعل على حاله ، والنوم بالنهار مما كانت العرب تعده نعمة من الله ولا سيما فى أوقات القيلولة فى البلاد الحارة .
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ } كله { لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } هذه التوجيهات سماع تدبر وتفكر واعتبار فيعملون بما يسمعون .
( ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله . إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ) . .
وهذه آية كذلك تجمع بين ظواهر كونية وما يتعلق بها من أحوال البشرية ، وتربط بين هذه وتلك . وتنسق بينهما في صلب هذا الوجود الكبير . . تجمع بين ظاهرتي الليل والنهار ونوم البشر ونشاطهم ابتغاء رزق الله ، الذي يتفضل به على العباد ، بعد أن يبذلوا نشاطهم في الكد والابتغاء ، وقد خلقهم الله متناسقين مع الكون الذي يعيشون فيه ؛ وجعل حاجتهم إلى النشاط والعمل يلبيها الضوء والنهار ؛ و حاجتهم إلى النوم والراحة يلبيها الليل والظلام . مثلهم مثل جميع الأحياء على ظهر هذا الكوكب على نسب متفاوتة في هذا ودرجات . وكلها تجد في نظام الكون العام ما يلبي طبيعتها ويسمح لها بالحياة .
( إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ) . . والنوم والسعي سكون وحركة يدركان بالسمع . ومن ثم يتناسق هذا التعقيب في الآية القرآنية مع الآية الكونية التي تتحدث عنها على طريقة القرآن الكريم
{ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ } أي : ومن الآيات ما جعل لكم من صفة النوم في الليل والنهار ، فيه تحصل الراحة وسكون الحركة ، وذهاب الكلال والتعب ، وجعل لكم الانتشار والسعي في الأسباب والأسفار في النهار ، وهذا ضد النوم ، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } أي : يعون .
قال الطبراني : حدثنا حجاج بن عمران السدوسي ، حدثنا عمرو بن الحصين العقيلي ، حدثنا محمد بن عبد الله بن عُلاثة ، حدثني ثور بن يزيد ، عن خالد بن مَعْدان ، سمعت عبد الملك بن مروان يحدث عن أبيه{[22800]} ، عن زيد بن ثابت ، رضي الله عنه ، قال : أصابني أرق من الليل ، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " قل : اللهم غارت النجوم ، وهدأت العيون ، وأنت حي قيوم ، يا حي يا قيوم ، [ أنم عيني و ]{[22801]} أهدئ ليلي " فقلتها فذهب عني{[22802]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِالْلّيْلِ وَالنّهَارِ وَابْتِغَآؤُكُمْ مّن فَضْلِهِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ومن حججه عليكم أيها القوم تقديره الساعات والأوقات ، ومخالفته بين الليل والنهار ، فجعل الليل لكم سكنا تسكنون فيه ، وتنامون فيه ، وجعل النهار مضيئا لتصرّفكم في معايشكم والتماسكم فيه من رزق بكم إنّ فِي ذلكَ لاَياتٍ لقَوْمٍ يَسْمَعُونَ يقول تعالى ذكره : إن في فعل الله ذلك كذلك ، لعبرا وذكرى وأدلة على أن فاعل ذلك لا يُعجزه شيء أراده لقوم يسمعون مواعظ الله ، فيتعظون بها ، ويعتبرون فيفهمون حجج الله عليهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.