معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (7)

قوله تعالى : { وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء } ، قبل أن خلق السماء والأرض وكان ذلك الماء على متن الريح . قال كعب : خلق الله عز وجل ياقوتة خضراء ، ثم نظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد ، ثم خلق الريح ، فجعل الماء على متنها ، ثم وضع العرش على الماء . قال ضمرة : إن الله تعالى كان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض ، وخلق القلم فكتب به ما هو خالق وما هو كائن من خلقه ، ثم إن ذلك الكتاب سبح الله ومجده ألف عام قبل أن يخلق شيئا من خلقه .

قوله تعالى : { ليبلوكم } ، ليختبركم ، وهو أعلم ، { أيكم أحسن عملاً } ، أعمل بطاعة الله ، وأورع عن محارم الله تعالى .

قوله تعالى : { ولئن قلت } ، يا محمد ، { إنكم مبعوثون } أي : { من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين } ، يعنون القرآن . وقرأ حمزة والكسائي : ساحر يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (7)

ثم ساق - سبحانه - ما يشهد بعظيم قدرته فقال - تعالى - : { وَهُوَ الذي خَلَق السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ . . . } .

والأيام جمع يوم ، والمراد به هنا مطلق الوقت الذى لا يعلم مقداره إلا الله - تعالى - .

أى : وهو - سبحانه - الذى أنشأ السموات والأرض وما بينهما ، على غير مثال سابق ، فى ستة أيام من أيامه - تعالى - ، التى لا يعلم مقدار زمانها إلا هو .

وقيل : أنشأهن فى مقدار ستة أيام من أيام الدنيا .

قال سعيد بن جبير - رضى الله عنه - : كان الله قادرا على خلق السموات والأرض وما بينهما فى لمحة ولحظة ، فخلقهن فى ستة أيام ، تعليما لعباده التثبت والتأنى فى الأمور .

وقد جاءت آيات تدل على أنه - سبحانه - خلق الأض فى يومين ، وخلق السموات فى يومين وخلق ما بينهما فى يومين ، وهذه الآيات هى قوله - تعالى - : { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ العالمين . وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ . ثُمَّ استوى إِلَى السمآء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ . فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وأوحى فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا . . . } وجملة { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المآء } اعتراضية بين قوله { خَلَق السماوات والأرض } وبين { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } ويجوز أن تكون حالية من فاعل خلق وهو الله - تعالى - وعرش الله - تعالى - من الألفاظ التى لا يعلمها البشر إلا بالاسم . وقد جاء ذكر العرش فى القرآن الكريم إحدى وعشرين مرة .

ونحن مكلفون بأن نؤمن بأن له - سبحانه - عرشا ، أما كيفيته فنفوض علمها إليه - تعالى - .

والمعنى : أن الله - تعالى - خلق السموات والأرض فى ستة أيام ، وكان عرشه قبل خلقهما ليس تحته شئ سوى الماء .

قالوا : وفى ذلك دليل على أن العرش والماء كانا موجودين قبل وجود السموات والأرض .

قال القرطبي : قوله : { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المآء } بين - سبحانه - أن خلق العرش والماء ، كان قبل خلق الأرض والسماء . . .

ثم قال : وروى البخارى عن عمران بين حصين قال كنت عند النبى - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه قوم من بنى تميم فقال : " " اقبلوا البشرى يا بنى تميم " قالوا : بشرتنا فأعطنا . فدخل ناس من أهل اليمن فقالوا : جئنا لنتفقه فى الدين ، ولنسألك عن هذا الدين ونسألك عن أول هذا الأمر .

قال : " إن الله ولم يكن شئ غيره ، وكان عرشه على الماء . ثم خلق السموات والأرض ، وكتب فى الذكر كل شئ " " .

وقال ابن كثير بعد هذا الحديث وغيره : وفى صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو ابن العاص قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء " .

وروى الإِمام أحمد عن لقيط بن عامر العقبلى قال : قلت يا رسول الله ، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه ؟ قال : كان فى عماء ، ما تحته هواء ، وما فوقه هواء ، ثم خلق العرش بعد ذلك .

والعلماء : السحاب الرقيق ، أى فوق سحاب مدبرا له ، وعاليا عليه ، والسحاب ليس تحته سوى الهواء ، وليس فوقه سوى الهواء . والمراد أنه ليس مع الله - تعالى - شئ آخر .

وقوله - سبحانه - { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } جملة تعليلية . ويبلوكم من الابتلاء بمعنى الاختبار والامتحان .

أى : خلق ما خلق من السموات والأرض وما فيهما من كائنات ، ورتب فيهما جميع ما تحتاجون إليه من أسباب معاشكم ، ليعاملكم معاملة من يختبر غيره ، ليتميز المحسن من المسئ ، والمطيع من العاصى ، فيجازى المسحنين والطائعين بما يستحقون من ثواب ، ويعاقب المسيئين والعاصين بما هم أهله من عقاب .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف قيل : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } وأعمال المؤمنين هى التي تتفاوت إلى حسن وأحسن ، فأما أعمال المؤمنين والكافرين فتفاوتها إلى حسن وقبيح ؟ قلت : الذين هم أحسن عملا هم المتقون وهم الذين استبقوا إلى تحصيل ما هو مقصود الله - تعالى - من عباده ، فخصهم بالذكر ، واطرح ذكر من وراءهم ، تشريفا لهم ، وتنبيها على مكانهم منه ، وليكون ذلك لطفا للسامعين ، وترغيبا فى حياة فضلهم .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة ببيان موقف الكافرين من البعث والحساب فقال : { وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الموت لَيَقُولَنَّ الذين كفروا إِنْ هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } .

أى : ولئن قلت يا محمد لهؤلاء الكافرين الذين أرسلك الله لإِخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان ، لئن قلت لهم { إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ } يوم القيامة { مِن بَعْدِ الموت } الذى سيدرككم فى هذه الدنيا عند نهايكم آجالكم { لَيَقُولَنَّ } لك هؤلاء الكافرون على سبيل الأنكار والتهكم ما هذا الذى تقوله يا محمد { إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } أى : إلا سحر واضح جلى ظاهر لا لبس فيه ولا غموض .

وقرأ حمزة والكسائى وخلف { إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } فتكون الإِشارة بقوله { هذا } إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أى : أنه فى زعمهم يقول كلاما ليسحرهم به ، وليصرفهم عما كان عليه آباؤهم وأجدادهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (7)

1

ثم يمضي السياق في تعريف البشر بربهم ، وإطلاعهم على آثار قدرته وحكمته . في خلق السماوات والأرض بنظام خاص في أطوار أو آماد محكمة ؛ لحكمة كذلك خاصة . يبرز منها السياق هنا ما يناسب البعث والحساب والعمل والجزاء :

( وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، وكان عرشه على الماء ، ليبلوكم أيكم أحسن عملا . ولئن قلت : إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا : إن هذا إلا سحر مبين ) . .

وخلق السماوات والأرض في ستة أيام تحدثنا عنه في سورة يونس . . وهو يساق هنا للربط بين النظام الذي يقوم عليه الكون والنظام الذي تقوم عليه حياة الناس .

( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) .

والجديد هنا في خلق السماوات والأرض هو الجملة المعترضة : ( وكان عرشه على الماء )وما تفيده من أنه عند خلق السماوات والأرض أي إبرازهما إلى الوجود في شكلهما الذي انتهيا إليه كان هناك الماء ؛ وكان عرش الله سبحانه على الماء . .

أما كيف كان هذا الماء ، وأين كان ، وفي أية حالة من حالاته كان . وأما كيف كان عرش الله على هذا الماء . . فزيادات لم يتعرض لها النص ، وليس لمفسر يدرك حدوده أن يزيد شيئا على مدلول النص ، في هذا الغيب الذي ليس لنا من مصدر لعلمه إلا هذا النص وفي حدوده .

وليس لنا أن نتلمس للنصوص القرآنية مصداقا من النظريات التي تسمى " العلمية " - حتى ولو كان ظاهر النص يتفق مع النظرية وينطبق - فالنظريات " العلمية " قابلة دائما للانقلاب رأسا على عقب ، كلما اهتدى العلماء إلى فرض جديد ، وامتحنوه فوجدوه أقرب إلى تفسير الظواهر الكونية من الفرض القديم الذي قامت عليه النظرية الأولى . والنص القرآني صادق بذاته ، اهتدى العلم إلى الحقيقة التي يقررها أم لم يهتد . وفرق بين الحقيقة العلمية والنظرية العلمية . فالحقيقة العلمية قابلة للتجربة - وإن كانت دائما احتمالية وليست قطعية - أما النظرية العلمية فهي قائمة على فرض يفسر ظاهرة كونية أو عدة ظواهر ، وهي قابلة للتغيير والتبديل والانقلاب . . ومن ثم لا يحمل القرآن عليها ولا تحمل هي على القرآن ، فلها طريق غير طريق القرآن . ومجال غير مجال القرآن .

وتلمس موافقات من النظريات " العلمية " للنصوص القرآنية هو هزيمة لجدية الإيمان بهذا القرآن واليقين بصحة ما فيه ، وأنه من لدن حكيم خبير . هزيمة ناشئة من الفتنة " بالعلم " وإعطائه أكثر من مجاله الطبيعي الذي لا يصدق ولا يوثق به إلا في دائرته . فلينتبه إلى دبيب الهزيمة في نفسه من يحسب أنه بتطبيق القرآن على " العلم " يخدم القرآن ويخدم العقيدة ، ويثبت الإيمان ! إن الإيمان الذي ينتظر كلمة العلم البشري المتقلبة ليثبت لهو إيمان يحتاج إلى إعادة النظر فيه ! إن القرآن هو الأصل والنظريات العلمية توافقه أو تخالفه سواء . أما الحقائق العلمية التجريبية فمجالها غير مجال القرآن . وقد تركها القرآن للعقل البشري يعمل فيها بكامل حريته ، ويصل إلى النتائج التي يصل إليها بتجاربه ، ووكل نفسه بتربية هذا العقل على الصحة والاستقامة والسلامة ، وتحريره من الوهم والأسطورة والخرافة . كما عمل على إقامة نظام للحياة يكفل لهذا العقل أن يستقيم ، وأن يتحرر ، وأن يعيش في سلام ونشاط . . ثم تركه بعد ذلك يعمل في دائرته الخاصة . ويصل إلى الحقائق الجزئية الواقعية بتجاربه . ولم يتعرض لذكر شيء من الحقائق العلمية إلا نادرا . مثل أن الماء أصل الحياة والعنصر المشترك في جميع الأحياء . ومثل أن جميع الأحياء أزواج حتى النبات الذي يلقح من نفسه فهو يحتوي على خلايا التذكير والتأنيث . . . وأمثال هذه الحقائق . التي صرحت بها النصوص القرآنية .

ونعود من هذا الاستطراد إلى النص القرآني نتملاه في مجاله الأصيل . مجال بناء العقيدة وتصريف الحياة :

( وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام - وكان عرشه على الماء - ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) . .

خلق السماوات والأرض في ستة أيام . . وهنا فقرات كثيرة محذوفة يشير إليها ما بعدها فيغني عنها . . خلقها في هذا الأمد ، لتكون صالحة ومجهزة لحياة هذا الجنس البشري ، وخلقكم وسخر لكم الأرض وما يفيدكم من السماوات . . وهو سبحانه مسيطر على الكون كله . . ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) . . والسياق يظهر كأن خلق السماوات والأرض في ستة أيام - مع سيطرة الله سبحانه على مقاليده - كان من أجل ابتلاء الإنسان . ليعظم هذا الابتلاء ويشعر الناس بأهميتهم وبجدية ابتلائهم .

وكما جهز الخالق هذه الأرض وهذه السماوات بما يصلح لحياة هذا الجنس ، جهز هذا الجنس كذلك باستعدادات وطاقات ؛ وبنى فطرته على ذات القانون الذي يحكم الكون ؛ وترك له جانبا اختياريا في حياته ، يملك معه أن يتجه إلى الهدى فيعينه الله عليه ويهديه ، أو أن يتجه إلى الضلال فيمد الله له فيه ، وترك الناس يعملون ، ليبلوهم أيهم أحسن عملا . يبلوهم لا للعلم فهو يعلم . ولكن يبلوهم ليظهر المكنون من أفعالهم ، فيتلقوا جزاءهم عليها كما اقتضت إرادة الله وعدله . ومن ثم يبدو التكذيب بالبعث والحساب والجزاء عجيبا غريبا في هذا الجو . بعدما يذكر أن الابتلاء مرتبط بتكوين السماوات والأرض . أصيل في نظام الكون وسنن الوجود .

ويبدو المكذبون به غير معقولين وغير مدركين للحقائق الكبيرة في تكوين هذا الوجود ، وهم يعجبون لهذه الحقائق وبها يفاجأون :

( ولئن قلت : إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا : إن هذا إلا سحر مبين ) . .

فما أعجبها قولة ، وما أغربها ، وما أكذبها في ظل هذا البيان الذي تقدمها !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (7)

يخبر تعالى عن قدرته على كل شيء ، وأنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ، وأن عرشه كان على الماء قبل ذلك ، كما قال الإمام أحمد :

حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن جامع بن شَدَّاد ، عن صفوان بن مُحْرِزْ ، عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقبلوا البشرى يا بني تميم " . قالوا : قد بشرتنا فأعطنا . قال : " اقبلوا البشرى يا أهل اليمن " . قالوا : قد قبلنا ، فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان ؟ قال : " كان الله قبل كل شيء ، وكان عرشه على الماء ، وكتب في اللوح المحفوظ ذكر كل شيء " . قال : فأتاني آت فقال : يا عمران ، انحلت ناقتك من عقالها . قال : فخرجت في إثرها ، فلا أدري ما كان بعدي{[14494]} .

وهذا الحديث مخرج في صحيحي البخاري ومسلم بألفاظ كثيرة{[14495]} ؛ فمنها : قالوا : جئناك نسألك عن أول هذا الأمر فقال : " كان الله ولم يكن شيء قبله - وفي رواية : غيره - وفي رواية : معه - وكان عرشه على الماء ، وكتب في الذكر كلّ شيء ، ثم خلق السموات والأرض " .

وفي صحيح مسلم ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قدّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء " {[14496]} .

وقال البخاري في تفسير هذه الآية : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، حدثنا أبو الزِّنَادِ ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عز وجل : أنفِق أُنفقْ عليك " . وقال : " يد الله ملأى لا يَغيضها نفقة ، سحَّاءَ الليلَ والنهار " وقال " أفرأيتم{[14497]} ما أنفق منذ خلق السموات والأرض ، فإنه لم يَغض ما في يده ، وكان عرشه على الماء ، وبيده الميزان يخفض ويرفع " {[14498]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا حماد بن سلمة ، عن يَعْلَى بن عَطَاء ، عن وَكِيع بن عُدُس ، عن عمه أبي رَزِين - واسمه لَقِيط بن عامر بن المنتفق{[14499]} العُقَيْلي - قال : قلت : يا رسول الله ، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه ؟ قال : " كان في عَمَاء ، ما تحته هواء وما فوقه هواء ، ثم خلق العرش بعد ذلك " .

وقد رواه الترمذي في التفسير ، وابن ماجه في السنن من حديث يزيد بن هارون به{[14500]} وقال الترمذي : هذا حديث حسن .

وقال مجاهد : { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ } قبل أن يخلق شيئا . وكذا قال وهب بن مُنبِّه ، وضمرة بن حبيب ، وقاله قتادة ، وابن جرير ، وغير واحد .

وقال قتادة في قوله : { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ } ينبئكم كيف كان بدء خلقه قبل أن يخلق السموات والأرض .

وقال الربيع بن أنس : { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ } فلما خلق السموات والأرض ، قسم ذلك الماء قسمين ، فجعل نصفا تحت العرش ، وهو البحر المسجور .

وقال ابن عباس : إنما سمي العرش عرشا لارتفاعه .

وقال إسماعيل بن أبي خالد ، سمعت سعدا الطائي يقول : العرش ياقوتة حمراء .

وقال محمد بن إسحاق في قوله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ } فكان كما{[14501]} وصف نفسه تعالى ، إذ ليس إلا الماء وعليه العرش ، وعلى العرش ذو الجلال والإكرام ، والعزة والسلطان ، والملك والقدرة ، والحلم والعلم ، والرحمة والنعمة ، الفعال لما يريد .

وقال الأعمش ، عن المِنْهَال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير قال : سئل ابن عباس عن قول الله : { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ } على أي شيء كان الماء ؟ قال : على متن الريح .

وقوله تعالى : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا } أي : خلق السموات والأرض لنفع عباده الذين خلقهم ليعبدوه وحده لا شريك له ، ولم يخلق ذلك عبثا ، كما قال تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ } [ ص : 27 ] ، {[14502]} وقال تعالى : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ } [ المؤمنون : 115 ، 116 ] ، وقال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] .

وقوله : { لِيَبْلُوكُمْ } أي : ليختبركم { أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا } ولم يقل : أكثر عملا بل { أَحْسَنُ عَمَلا } ولا يكون العمل حسنا حتى يكون خالصا لله عز وجل ، على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فمتى فقد العمل واحدا من هذين الشرطين بطل وحبط .

وقوله : { وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ } يقول تعالى : ولئن أخبرت يا محمد هؤلاء المشركين أن الله سيبعثهم بعد مماتهم كما بدأهم ، مع أنهم يعلمون أن الله تعالى هو الذي خلق السموات والأرض ، [ كما قال تعالى : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [ الزخرف : 87 ] ، { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ ] وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [ العنكبوت : 61 ] ، {[14503]} وهم مع هذا ينكرون البعث والمعاد يوم القيامة ، الذي هو بالنسبة إلى القدرة أهون من البداءة ، كما قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] ، وقال تعالى : { مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [ لقمان : 28 ] وقولهم{[14504]} : { إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ } أي : يقولون كفرا وعنادا ما نصدقك{[14505]} على وقوع البعث ، وما يذكر ذلك{[14506]} إلا من سحرته ، فهو يتبعك على ما تقول .


[14494]:- المسند (4/431).
[14495]:- صحيح البخاري برقم (3190 ، 3191 ، 4365 ، 4386 ، 7418) ولم أعثر عليه في صحيح مسلم.
[14496]:- صحيح مسلم برقم (2653).
[14497]:- في ت ، أ : "أرأيت".
[14498]:- صحيح البخاري برقم (4684).
[14499]:- في ت ، أ : "المتفق".
[14500]:- المسند (4/11) وسنن الترمذي برقم (3109) وسنن ابن ماجه برقم (182).
[14501]:- في ت : "مما".
[14502]:- في أ : "السموات".
[14503]:- زيادة من ت ، أ.
[14504]:- في ت ، أ : "وقوله".
[14505]:- في ت : "ما يصدقك".
[14506]:- في ت : "وما تذكره من ذلك".