الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (7)

قوله : { وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه } إلى قوله { يستهزئون }[ 7-8 ] :

والمعنى : أن الذي{[31912]} إليه مرجعكم أيها الناس ، هو الذي خلق السماوات والأرض وما فيهن{[31913]} في ستة أيام{[31914]} ، وهو قادر على أن يخلق ذلك في لحظة{[31915]} .

روى أبو هريرة رضي الله عنه ، قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بيدي ، فقال : خلق الله تعالى التربة{[31916]} يوم السبت ، وخلق الجبال فيها يوم الأحد ، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور فيها يوم الأربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر ساعات الجمعة{[31917]} .

قال كعب{[31918]} : جعل الله عز وجل{[31919]} ، الدنيا مكان كل يوم من الستة الأيام ألف سنة{[31920]} .

وقال الضحاك : { في ستة أيام } من أيام الآخرة ، كل يوم مقدار ألف سنة : ابتدأ في الخلق يوم الأحد ، واجتمع الخلق يوم الجمعة ، فسميت الجمعة لذلك . ولم يخلق يوم السبت شيئا{[31921]} .

وقوله : { وكان عرشه على الماء } : أي : قبل خلق السماوات والأرض{[31922]} ( وسئل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقيل له : أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض ؟ فقال : في عماء{[31923]} .

- في بمعنى{[31924]} على عادة العرب ، لأنها تبدل حروف الجر ، بعضها من بعض العماء : السحاب الرقيق{[31925]} . ومن رواة مقصورا فمعناه ، والله أعلم ، أنه كان وحده ، وليس معه سواه{[31926]} . شبه عليه السلام العمى بالعماء توسعا ومجازا – ( فوقه{[31927]} هواء ، وتحته هواء ، ثم خلق عرشه على الماء ){[31928]} .

قال ابن عباس : كان الماء على متن الريح{[31929]} .

ثم قال تعالى{[31930]} : { وليبلوكم أيكم أحسن عملا }[ 7 ] : أي : فعل ذلك ليختبركم أيكم أحسن عملا له ، و{[31931]}طاعة{[31932]} .

وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم{[31933]} : { أيكم أحسن عملا } : أحسن ، عقلا وأورع عن محارم الله عز وجل ، وأسرع إلى طاعته{[31934]} .

قال ابن جريج : يعني بالاختبار الثقلين{[31935]} ، والمعنى : ليختبركم الاختبار الذي تقع عليه المجازاة ، وهو عالم بما يفعل الجميع قبل خلقهم . ولكن أراد الله تعالى ، أن يظهر من الجميع ما يقع عليه الجزاء{[31936]} .

ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام : { ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت }[ 7 ] : أي : قلت لهم يا محمد : إنكم مبعوثون من بعد موتكم ، وتجازون ليقولن الذين كفروا : ما هذا { إلا سحر مبين } أي : ما قولك إلا سحر ظاهر{[31937]} .

ومن قرأ ( إلا ساحر ){[31938]} ، فمعناه{[31939]} : ما هذا الذي يخبرنا بهذا إلا ساحر{[31940]} ظاهر .


[31912]:ط: الله عز وجل.
[31913]:ق: من.
[31914]:انظر هذا المعنى في: جامع البيان 15/244.
[31915]:وهو قول الزجاج في: معانيه 3/39.
[31916]:ق: الثوبة.
[31917]:هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده 2/327: عن أبي هريرة، ورواه الإمام مسلم في صحيحه، انظر: شرح النووي 17/123. قال الألوسي في روح المعاني: معلقا على هذا الحديث: ولا يخفى أن هذا الخبر مخالف للآية الكريمة، فهو إما غير صحيح، وإن رواه مسلم، وإما أول. والآية هي قوله من (سورة:ق) الآية: 38. {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة آيام}.
[31918]:هو أبو إسحاق، كعب بن مانع، تابعي، كان من علماء اليهود، وأسلم في خلافة أبي بكر، أخذ عنه الصحابة، وغيرهم كثيرا من أخبار الأمم الغابرة (ت32 هـ) انظر: تذكرة الحفاظ 1/52 والحلية 5/364.
[31919]:ساقط من ق.
[31920]:انظر هذا الخبر في: جامع البيان 15/245.
[31921]:انظر هذا الخبر في: المصدر السابق.
[31922]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 15/245، ومعاني الزجاج 3/40.
[31923]:هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي رزين العقيلي. انظر: المسند 4/11، وسنن ابن ماجه 1/64، المقدمة باب فيما أنكرت الجهمية، وكتاب التفسير في سنن الترمذي حيث قال: حديث حسن.
[31924]:لعل هناك سقطا في النسختين، وأثبته كما هو في (ط).
[31925]:(العامي) كذا ورد في النسختين، وهو تحريف والصواب ما أثبت. قال في اللسان: عمي – بعد ذكر الحديث – عن أبي عبيدة قال: وأما العمى في البصر فمقصور وليس هو من هذا الحديث في شيء وعن أبي الهيثم أنه قال: وكل أمر لا تدركه القلوب بالعقول، فهو عمى قال: والمعنى أنه كان حيث لا تدركه عقول بني آدم ولا يبلغ كنهه وصف. قال الأزهري: والقول عندي ما قاله أو عبيد أنه العماء وهو السحاب. وقال ابن الأثير: معنى قوله في عمى مقصور ليس معه شيء.
[31926]:نقل الترمذي في سننه عن أحمد عن يزيد بن هارون: (العماء): أي: ليس معه شيء.
[31927]:وهو تتمة الحديث السابق والثلاثة أسطر الموجودة ما بين العارضتين ساقطة بتمامها من النسخة الأصلية وأثبتها كما هي في (ط).
[31928]:انظر المصدر السابق.
[31929]:هذا الخبر أخرجه الحاكم في المستدرك 2/341، وقال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. ورواه الطبري في جامع البيان 15/239.
[31930]:ساقط من ق.
[31931]:ساقط من النسختين، وأثبته ليستقيم السياق.
[31932]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 15/250.
[31933]:ط: صم..
[31934]:هذا الخبر رواه الطبري في جامع البيان 15/250 و251، عن: داود بن المحبر الثقفي قال عنه الإمام أحمد كان لا يدري ما الحديث، وهو ضعيف، صاحب مناكير، ورجاله غير ثقات. قال الشيخ شاكر: هذا حديث ضعيف بمرة ولا أصل له. انظر: هامش المصدر السابق.
[31935]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/251.
[31936]:وهو قول الزجاج في: معانيه 3/40.
[31937]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 15/281.
[31938]:انظر: هذه القراءة في الهامش السادس من الصفحة 3158.
[31939]:ق: فبمعنى.
[31940]:ق: سحر.