فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (7)

ثم أكد دلائل قدرته بالتعرض لذكر خلق السماوات والأرض وكيف كان الحال قبل خلقها فقال { وهو الذي خلق السماوات والأرض } وما بينهما { في ستة أيام } الكلام على التوزيع فكان خلق السماوات في يومين والأرضين في يومين ، وما عليها من أنواع الحيوان والنبات والأقوات والجمادات في يومين ، والمراد بالأيام هنا الأوقات أي في ستة أوقات كما في قوله { ومن يولهم يومئذ دبره } وقيل مقدار ستة أيام .

وقيل المراد هنا الأيام المعروفة وهي المقابلة لليالي أولها الأحد وآخرها الجمعة ولا يستقيم ذلك لأنه لم تكن حينئذ أرض ولا سماء وليس اليوم إلا عبارة عن مدة كون الشمس فوق الأرض وفي الجمل وهذا مشكل جدا إذ لا يتعين الأحد ولا غيره من الأيام إلا عند وجودها بالفعل وفي تلك الحال لم يكن زمان قط فضلا عن تفضيله أياما فضلا عن تخصيص كل يوم باسم .

والجواب عن هذا الإشكال بأن المراد مقدار ستة أيام لا يدفع هذا الإشكال إنما يدفع الإشكال الآخر وهو أنه لم يكن ثم زمان 1ه .

{ وكان عرشه } قبل خلقهما { على الماء } ليس شيء غيره سواء كان بينهما فرجة أو كان موضوعا على متنه فلا دلالة فيه على إمكان الخلاء ، كيف لا ولو دل لدل على وجوده لا على إمكانه فقط ولا على كون الماء أول ما حدث في العالم بعد العرش وإنما يدل على أن خلقهما أقدم من خلق السماوات والأرض من غير تعرض للنسبة بينهما .

قلت : وكونه قبل خلقهما مأخوذ من كان لأن المعنى المستفاد منها بالنسبة للحكم لا للتكلم وهو خلق السماوات والأرض وهذا ظاهر سواء أكانت الجملة معطوفة أو حالية بتقدير قد . ونقل عن السلف إنه كان على الماء وهو الآن على ما كان عليه وعبارة سليمان الجمل : بل هو في مكانه الذي هو فيه الآن وهو ما فوق السماوات السبع والماء في المكان الذي هو فيه الآن وهو ما تحت الأرضين السبع انتهى .

عن ابن عباس أنه سئل على أي شيء كان الماء ؟ قال على متن الريح ، وعن أبي رزين العقيلي قال : قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه ؟ قال كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء وخلق عرشه على الماء{[945]} أخرجه الترمذي . قال أحمد : يريد بالعلماء أنه ليس معه شيء . قال البيهقي : العماء إن كان ممدودا فمعناه سحاب رقيق والمعنى فوق سحاب مدبرا له وعاليا عليه ، وإن كان مقصورا فمعناه لاشيء ثابت لأنه مما عمي عن الخلق لكونه غير شيء ونحوه قال جمع من أهل العلم .

قال الأزهري : فنحن نؤمن به ولا نكيف صفته ، وقد وردت أحاديث كثيرة في صفة العرش ، وفي كيفية السماوات والأرض ليس هذا موضع ذكرها . { ليبلوكم } أي خلق هذه المخلوقات ليبتلي عباده بالاعتبار والتفكر والاستدلال على كمال قدرته على البعث والجزاء ، { أيكم أحسن عملا } فيما أمر به ونهى عنه من غيره ودخل في العمل الاعتقاد لأنه من أعمال القلب ، وقيل المراد بالأحسن عملا الأتم عقلا ، وقيل الأزهد في الدنيا وقيل الأكثر شكرا وقيل بالأحسن عملا الأتم عقلا وقيل الأزهد في الدنيا وقيل الأكثر شكرا وقيل الأتقى لله وجاز تعليق فعل البلوى لما في الاختبار من معنى العلم لأنه طريق إليه فهو ملابس له .

{ ولئن قلت } اللام موطئة للقسم فقد اجتمع في الكلام شرط قسم ، والقاعدة أن يحذف جواب المتأخر ويذكر جواب المتقدم فقوله ليقولن جواب القسم وجواب الشرط محذوف وكذا في قوله { ولئن أخرنا } وقوله { ولئن أذقنا الإنسان } وقوله { ولئن أذقناه } فالمواضع أربعة .

ولما كان الابتلاء يتضمن حديث البعث أتبع ذلك بذكره ، والمعنى لئن قلت لهم يا محمد على ما توجبه قضية الابتلاء { إنكم مبعوثون من بعد الموت } فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ، قيل أنكم بمعنى لعلكم على أن الرجاء باعتبار حال المخاطبين أي توقعوا ذلك ولا تبثوا القول بإنكاره { ليقولن الذين كفروا } من الناس { إن هذا } الذي تقوله يا محمد { إلا سحر مبين } أي كالسحر أو باطل كبطلان السحر وخدع كخدعه فالكلام من باب التشبيه البليغ .

ويجوز أن تكون الإشارة بهذا إلى القرآن لأنه المشتمل على الإخبار بالبعث وقرئ ساحر يعني النبي صلى الله عليه وسلم .


[945]:الترمذي تفسير سورة 11 /1